د. محمد العرب

هناك فرق شاسع بين المنجم وقارئ المستقبل، المنجم يدعي أن لديه قوة خارقة روحانية للوصول إلى المعرفة الخفية، مستخدما طرقا وتقنيات مخادعة مثل قراءة الأوراق أو الكريستال أو النجوم، مدعيا أنه يتواصل مع العوالم الأخرى أو الكائنات الروحانية للحصول على المعلومات، وهؤلاء هم ببساطة مجموعة من النصابين الذين يستغلون الرغبة الإنسانية الفطرية لاكتشاف المستقبل، والتنجيم ليس له أي أسس علمية، وأن تأثير الكواكب والنجوم على الأحداث البشرية مجرد خدعة وليس مثبتا علميا، أما قراءة المستقبل أو الاستشراف ‏أو ما كان يعرف بالتوقع البلاغي، فهو علم ومهارة، حيث يتم استخدام الأدلة المتاحة والمعرفة العلمية وتحليل المعطيات للوصول إلى توقعات حول المستقبل، بالاعتماد على الاتجاهات الحالية والبيانات السابقة لتوقع ما قد يحدث في المستقبل، والاستعانة بتحليل البيانات واستطلاعات الرأي والنماذج الاحتمالية دون إهمال العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمناخية، التي يمكن أن تؤثر على الأحداث المستقبلية وترسم ملامحها، ومع تقدم التكنولوجيا والتطورات العلمية المستمرة، من المثير للاهتمام أن نستشرف الصورة التي قد تعكس شكل العالم بعد 50 سنة، رؤية هذا المستقبل تتطلب تخيلا وتحليلا للاتجاهات الحالية وتوقعاتها المحتملة، وبالرغم من أنه لا يمكننا التنبؤ بدقة تامة، إلا أنه يمكننا استنتاج بعض النقاط الرئيسية التي قد ترسم ملامح العالم بعد نصف قرن، حيث يتوقع أن يشهد العالم تقدما هائلا في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لذا قد تكون الروبوتات جزءا أساسيا من حياتنا اليومية، وستستخدم التكنولوجيا لتحسين العديد من القطاعات مثل الصحة والتعليم والنقل والزراعة وكذلك تغيير قواعدها ومخرجاتها، ومن المؤكد أن شكل المال سيستمر بالتطور إلى أن نصل لشكل متقدم من المقايضة إما بالعملات الرقمية أو بالطاقة والموارد، كما أن التصدي لحروب المناخ ونضوب الموارد سواء كانت الطبيعية أو المفتعلة سيكون تحديا وجوديا، مما سيدفع العالم مجبرا للاستثمار في الطاقة المستدامة وستصبح الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية الآمنة والنظيفة مصادر رئيسية للطاقة، مما يقلل من اعتمادنا على الوقود الأحفوري والوقود التقليدي، كما يتوقع أن تزداد التحديات المتعلقة بالتغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، وقد يكون هناك تركيز أكبر على حماية البيئة وتطوير تقنيات جديدة للحد من تأثيرات التغيرات المناخية، كما أن حماية شركائنا في الكوكب ستكون من ضمن الأولويات الحتمية، وهنا أقصد باقي المخلوقات وأشكال الحياة، ومن المؤكد أن تحديات المستقبل ستفرض على الجميع تكثيف التواصل العالمي والتكامل الاقتصادي والثقافي، لما سيشهده العالم من تغيرات كبيرة في التركيبة الديموغرافية للسكان وزيادة عدد السكان بشكل كبير، مما يفرض تحديات على الموارد والبنية التحتية والتنمية الاقتصادية والعلاقات السياسة والاجتماعية، وسيشهد الطب والعلوم الحيوية تقدما كبيرا خلال الخمسين سنة المقبلة، وقد تظهر تقنيات جديدة لعلاج الأمراض وتحسين جودة الحياة، مثل الطب الشخصي والعلاج الجيني والزراعة الحيوية، لا أعتقد أن مرضا مثل السكر أو الضغط أو السرطان سيكون أحد التحديات الصحية في المستقبل، كما أن تحدي ندرة المياه في العالم هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه البشرية مستقبلا، لاسيما مع تزايد الطلب على المياه نتيجة للنمو السكاني المتزايد، أما شكل العلاقات الاجتماعية فستحافظ على جوهرها لكنها ستختفي كممارسات، لذا علينا كبشر أن نعمل على تطوير إستراتيجيات مستدامة وتعاون تكاملي وجودي، لأن مستقبل العالم يتطلب جهودا جماعية لتحقيق السلام والتنمية المستدامة والعدالة.

لمحة

في السياسة، يمكن أن يطلق على قارئ المستقبل مصطلح «محلل سياسي» أو «خبير سياسي»، هؤلاء الأشخاص يقومون بدراسة الأحداث السياسية الحالية وتحليلها، ويحاولون توقع ما ستكون عليه الأوضاع في المستقبل ويعتمدون على البيانات والمعلومات المتاحة والتجارب السابقة لتوجيه توقعاتهم وتحليلاتهم، ويقدمون توصيات للسياسيين بناء على تحليلهم للأحداث والاتجاهات السياسية واستحقاقات كل مرحلة وفقا لشكل التحديات ونوع التحالفات ومحددات المسار العالمي.