د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

عندما جاءت فكرة الرسالة، احترت بأي شيء أدعوك. وجدتك أكبر من أي لقب أعرفه. أنت تحمل كل ألقاب الدنيا الحميدة. لم أستطع جمعها في كلمة تليق بشأنك. فرجعت إلى الجذر الذي هو أنت. فخاطبتك بتواضع وحياء قائلا: أيها الماء.

أيها الماء.. لست بشاعر رغم كوني عربيا بشعر معكوف النّهايات. ولون حنطي، وخشم كالسيف ينبئ بالكثير. كلماته تفوح شعرا، وتحمل (بنّة) مشاعره. يعززها صدق الحقائق. حروفها مكتنزة بمعاني التبجيل وتقديره. أكتب لك حاملا كل أنواع الحب، وأصدقه، وأخلصه. كل أنواع العواطف وأحلاها. مخاطبا فيك روح حياة العقل، وحكمتها، ومسؤوليتها. مخاطبا فيك اللذة، وشغف أعماق الرغبة التي تزفني نحوك.

أيها الماء.. أنت تموج في كياني مسؤولية ومصير. أنت تتشكل أمامي وفق ما أريد، منفعة وخدمة. أنت السائل الوحيد الذي يعرف كل منحنيات سطح جسمي. ويمسح عنها عرق تعب الحياة. أسعى إليك حاجة. تعطيني ولا أعطيك. وعندما تدخل إلى أعماقي عبر شربة منك، أشعر بسعادة الارتواء، ونشوة الحياة، وبهجة البقاء.

أيها الماء.. تعيش بدوني ولا أستطيع العيش بدونك. وجدت نفسي مدافعا عنك. لم تطلب مني ذلك. كنتيجة وجدت نفسي أدافع عن نفسي. سبحت في مساحة أهميتك المطلقة. فاعتليت بنفسي منبر الإنسانية عالي المقام والشأن.

أيها الماء.. نعرف نحن البشر أهميتك وعطاءك. أهميتنا لا تعني لك شيئا. ورغم ذلك عطاؤك لنا بدون حدود. أهميتك جعلتني أعيش حالة دفاع عنك من (أذيتنا)، وقسوتنا، وقلة وفائنا، وخزي تصرفاتنا معك.

أيها الماء.. نعرف بأنك سائل مانح وممنوح. وجودك عطاء. أنت تمنحنا البقاء. أنت ممنوح لنا من خالق الكون. أصبحت بهذا هدية. ولأنك هدية الرب العظيم، أصبحت عظيما، وكريما لا تقدر بثمن. غيابك موجع ومؤلم. هناك من يتجاهل فهم كونك هدية لا تُقدّر بثمن. هدية لم نعطها حق قدرها. في غيابك تغيب معك الحياة. أي قسوة يتجرعها الإنسان الظالم لنفسه؟.

أيها الماء.. أعرف أنك لا تتحكم في وجودك. لا تتحكم في وفرتك وانحباسك وندرتك. هذا ما جعلني أكتب هذه الرسالة. أنت بريء من أي تهمة. كل خلل يحدث، (سببه) (أنا) الإنسان. أحمل الخطايا التي تسيء لك. أحمل وزر انحباسك، وغيابك، وندرتك، وعطش فراقك.

أيها الماء.. وقفت طويلا مع نفسي أمام سني عمري الماضية. وجدتك صاحب الفضل. ستظل كذلك إلى يوم الدين. فأعتذر عن كل الخطايا والتجاوزات بحقك. تجاهل أهميتك يجعلني أشعر بوخز الألم. لأنك لست بحاجة إلينا كبشر. نحن بحاجة إليك. أنت هديتنا ومداد روحنا التي تسري في سائلك الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة. أنت رمز النقاء والصفاء والعطاء.

أيها الماء.. عندما نُهدرك ضياعا، فحن نهدر كرامتنا. أنت الأهم في هذا الكون. تصبح الإساءة لك إساءة لحياتنا. أنت تختلف عن الهواء بكونك السائل الذي يحمل الهواء، ويحمل الطاقة، ويحمل المعادن. تسري في سائلك طاقة الروح والحياة. أنت الحضارات بكل أشكالها.

أيها الماء.. قضيت وقتي، وجهدي، وسني عمري، مدافعا عن سلامة وفرتك وضمان استدامتك. لي فخر ذلك. بهذا أديت الأمانة. وثقتها في كتبي. كافحت عنك طوال حياتي العملية. بكفاحي هذا خدمت حتى الأجيال التي لم تولد بعد. بهذا أموت راضيا لأن الله خير شاهد، وعادل، ومكافئ.

أيها الماء العذب.. أعرف أن وجودك سيظل محور أي تنمية في بلادي حفظها الله. أعرف أن السماء مصدرك. مطر يتجدد. أعرف أن اللجوء لأعذبة مياه البحار المالحة صناعيا هو بمثابة انتحار بطيء. ويتأكد لشخصي بمؤشرات (إهمال) البيئة التي توفر أسباب نزولك عذبا بدون ثمن.