محمد الحرز

في الآونة الأخيرة نشط المشهد الثقافي السعودي بشكل هائل، إلا أنني وبشفافية لا أتلمس أسماء جديدة برزت بنفس وقوة وسطوة الأسماء القديمة من جيلكم ومن قبله، وهو ما ينسحب على المشهد العربي عموما، لماذا هذا برأيك؟

هذا السؤال طرحه علي أحد الشعراء العرب (وهو الصديق الشاعر السوري هاني نديم في لقاء صحفي شامل) وهو من المتابعين الدقيقين للمشهد الشعري العربي، وبالخصوص السعودي منه، حيث تتشكل طبقة وسطى من الشباب المقبل بحيوية لا مثيل لها على حراك تنموي شامل يعيد هيكلة الدولة والمجتمع.

فهناك تحول كبير في المشهد الثقافي السعودي يطال تقريبا كل شيء له علاقة بالثقافة والأدب والاجتماع. يطال البنية المؤسسية للثقافة من العمق. البنية الجديدة مرتبطة تماما برؤية ٢٠٣٠ التي ترى أن الثقافة بمؤسساتها القائمة لا تستطيع أن تنهض بالدور الذي يجعل منها قوة ناعمة، قادرة على أن تضع السعودية ثقافيا وأدبيا وعلميا في مصاف الدول الكبرى باعتبارها دولا مؤثرة عالميا في مثل هذه المجالات. المؤسسات التقليدية انتهى دورها وكان موعد التغيير.

هذا هو الطموح، وهو طموح مشروع نظرا للإمكانيات الضخمة التي تمتلكها المملكة على جميع الصعد والمستويات، اقتصادية وبشرية وتاريخية وجغرافية.

لذلك إعادة هيكلة مؤسسات الدولة الثقافية وحوكمتها وفق القوانين والأنظمة الحديثة هي الأهداف الكبرى التي تنتظم من خلالها هذه الهيكلة، وهي الأهداف نفسها التي ينتظم فيها تحديث المجتمع أيضا.

لقد قطعت الدولة مشوارا كبيرا لتثبيت هذه الأهداف وتعزيزها بكل الوسائل والإمكانات.

والمتأمل المشهد حاليًا يجد الأثر الكبير الذي تركته إعادة هيكلة المؤسسات على الفرد المبدع ونظرته للإبداع والثقافة بشكل عام.

فالأندية الأدبية في شكلها التقليدي تحولت إلى جمعيات غير ربحية، وكذلك جمعيات الثقافة والفنون بفروعها المتعددة تحولت أيضا إلى جمعيات غير ربحية، تنتظم جميعها تحت هيئات متعددة كهيئة الأدب والنشر والترجمة وكهيئة المسرح وهيئة الأفلام..ألخ.

وبالطبع في مثل هذا الحراك كانت المبادرات والفعاليات ركيزة أساسية لإظهار روح هذا التحول وإبرازه على الساحة بما يمثل الطابع الجديد للأنشطة الثقافية والأدبية، فرأينا كيف نهضت المقاهي والمكتبات الأهلية بدور كبير في تفعيل هذا الحراك تحت مبادرة تسمى (الشريك الأدبي) وهي مبادرة أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، وتهدف إلى تفعيل المقاهي العامة والمكتبات كشريك في المساهمة لإقامة فعاليات أدبية وفكرية واجتماعية، وبدعم وتمكين من الهيئة.

هذه الإطلالة البسيطة على تحولات المشهد تكشف حالة من الأنشطة الاستثنائية التي تصل إلى حد التشظي والانفجار.

من هذه الملاحظة، وهي ليست ملاحظة بقدر ما هي مفارقة في حقيقة الأمر، أصل إلى الاستنتاج الذي خلص به السؤال الذي صدرت به المقال، وهو عن عدم وجود أسماء بذات السطوة في جيلنا وجيل من سبقونا.

فالإقرار بهذه المفارقة تفرضها أسباب كثيرة. لكن أهمها في ظني وحسب متابعتي للمشهد، ترتبط بالمكون الثقافي والأدبي للجيل الراهن الذي تربى في مجمله على تقاليد شبكات التواصل الاجتماعي، وهي تقاليد تمتاز في مجملها بسرعة تلقى الثقافة والأدب على تنوعها وسرعة إرسالها أيضا، فالكاتب أو المبدع في هذه الحالة لا يمر بمخاضات المبدع الحقيقي الذي تصنعه الخبرة الحياتية، بل يرسل ويستقبل بطريقة آلية، وكأن تخلي الفرد عن طبيعته الإبداعية أوجد مساحة من التفكير الجماعي في إنتاج الأدب، مما جعل من الأسماء المتشابهة أفكارا وأسلوبا فيما تكتبه من نصوص إبداعية.

وكما أرى أن وسائل إنتاج الأدب تفرض على مبدعي هذا الجيل التفكير الإبداعي بشكل جماعي، والمبدع القادر على الانفلات من هذا الفرض لا يرى بالعين المجردة من فرط الحراك والزخم المصاحب له.