ذكر أبو الفضل الميداني في مجمع الأمثال: مثل مواعيد عرقوب، وفيه أن رجلاً من العَمَاليق، أتاه أخ له يسأله، فَقَالَ له عرقوب: إذا أطْلَعَتْ هذه النخلة فلك طَلْعها، فلما أطلعت أتاه للعِدَةِ، فَقَالَ: دَعْها حتى تصير بَلَحا، فلما أبْلَحَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصيرَ زَهْوًا، فلما زَهَت قَالَ: دَعْها حتى تصير رُطَبا، فلما أرْطَبَتْ قَالَ: دَعْها حتى تصير تمراً، فلما أتْمَرَتْ عمد إليها عرقوبٌ من الليل فجدَّها ولم يُعْطِ أخاه شيئاً، فصار مثلاً في الخُلْفِ، وفيه يقول الأشجعي:
وَعَدْت وَكاَنَ الخُلْفُ مِنْك سَجِيَّةً... مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أخَاهُ بِيَتْربِ
أعتقد أن أحفاد عرقوب كثيرون، فما زال هناك من يعِد ولا يفي، سواءً من قبل بعض الآباء مع الأبناء، فكم وعدناهم ولم نفِ، أو مع الموظفين من قبل بعض المديرين، فكم وُعدوا بالترقيات والتسهيلات ودعم المبدعين، ولكنها بقيت مجرد وعود، وحتى من بعض الموظفين مع المراجعين، حتى صارت «أبشر» كلمة بلا معنى، من كثرة ما استخدمت في غير مكانها الصحيح، حتى أصبحت كلمة للتصريف، بدلاً من أن تكون كلمة للالتزام كما كان عليه آباؤنا وأجدادنا.
يجب أن نعيد الأمور لنصابها، ولا نعد إلا بما نستطيع، وإذا وعدنا نفي، فنحن أتباع دين عظيم وقيم عالية، ويجب أن نكون أنموذجاً يُحتذى، ورب العالمين يقول «جل جلاله»: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً)، ونبينا «صلى الله عليه وآله وسلم» يقول: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَحَصَّنوا فُرُوجَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ».
يؤسفني حد الألم عندما يقول أحدهم: عندما كنت في الغرب رأيت التزاماً كبيراً بالوفاء بالوعد، بل إنهم يتعاملون معك -حد بلوغ السذاجة- فيصدقون ما تقول؛ لأنهم لا يظنون أنه يمكنك أن تكذب، وإذا وعدت فمن الأبجديات لديهم وفاؤك بوعدك.
مما يؤسف ويؤلم أن مَن يقول هذه العبارة يجعلها في مجال المقارنة، بيننا وبينهم، مع أننا نحن الأولى بالصدق والوفاء بالوعد، ولذلك علينا أن نعود لقواعدنا، ولا نعبث بقيمنا، سواء في بيوتنا أو مؤسساتنا أو مجتمعنا، إن كنا نريد النجاح والاحترام، سواءً احترام الذات، أو احترام المجتمعات الأخرى، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت، وإذا هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.