أ.د. هاني القحطاني

أبها وأثينا معروفتان، أما ذرة (بكسر الذال وفتح الراء) فهو لمن لا يعرفه، الاسم الأصلي للجبل الأخضر على الحافة الجنوبية لمدينة أبها، وهو أعلى قمة فيها. وكما يستدل من اسمه فإن علوه مصدر تسميته.

من حيث التاريخ، المدون على الأقل، قد لا تقارن أبها بأثينا، فهذه المدينة المستلقية على سفوح المتوسط ضمن عدد غفير من الجزر سطرت تاريخ الغرب منذ القدم. وبدءا من اسمها المشتق من آلهة يونانية، إلى نشأتها كإحدى المدن-الدول في أرخبيل وبر اليونان، إلى حروبها الطاحنة مع الفرس، ثم دخولها في فلك الإمبراطورية الرومانية، وما تلى ذلك إلى اليوم، كانت أثينا وما زالت أحد أهم مصادر الإشعاع الحضاري في الغرب والعالم.

عند النظر لمدينة أبها عن بعد، تبدو مشابهة ومعها جبل ذرة، لمدينة أثينا وجبلها المسمى «ليباكتيس» (Lycabettus) باعتباره أعلى جبال المدينة، ومن حيث التكوين التضاريسي تبدو المدينتان بجبليهما متشابهتين. أما من حيث التكوين العمراني فهما مختلفتان جذريا لاختلاف السياق التاريخي والثقافي لكل منهما.

من الناحية الطبيعية يعتبر جبل ذرة بحد ذاته بحكم موقعه وإطلالته من كل الاتجاهات على المدينة وتهامة، معلما طبيعيا لا ينقصه التدخل البشري. غير أن زحف العمران من حوله قد وصل إلى قمته، وعرف محاولات تطوير جادة، لكن الجبل ما زال يبحث عن ضالته.

في أثينا يقابل جبل ليباكتيس جبل الأكروبوليس أو جبل الآلهة، وعلى سفح هذا الجبل، كما هي عادة اليونان في بناء عمائرهم في أماكن مرتفعة في الهواء الطلق اختزلت العمارة اليونانية في أهم ما تملكه: معبد البارثينون بكامل تفاصيله التي أرست قواعد العمارة الغربية إلى اليوم. والعمارة اليونانية عموما هي عمائر متجهة للخارج أكثر من اهتمامها بالداخل عكس خلفائهم الرومان.

وكما هو الحال في أثينا، ففي أبها أيضا يقابل جبل شمسان (بفتح الميم) من الناحية الشمالية جبل ذرة، وكما هو الحال في مجمع الأكروبولس اليوناني، فقد تم إعادة إحياء قلعة شمسان التي بنيت على سفح الجبل كأحسن ما يكون، وأصبحت أحد أماكن الجذب السياحي في المدينة.

جبل ذرة أيقونة طبيعية، إذا ما تم التعامل معه وفق رؤى متخصصة في التطوير العمراني والسياحي، رؤى خارج نطاق الفكر التقليدي المعتاد، رؤى تدرك قيمة الجبل ومدى أهميته كرمز وأيقونة للمدينة في إضفاء هوية، بل وعلامة تجارية للمدينة تضاهي – إذا ما تحقق ذلك – مدنا ذات تضاريس جبلية في مختلف أنحاء العالم، تماما كما هو الحال في ريودي جانيرو عاصمة البرازيل أو في هونغ كونج، ولا ننسى أثينا نفسها.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن المجمع الأكاديمي لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران (والتي هي إلى المعهد المتقدم في الهندسة على غرار إم آي تي في الولايات المتحدة أقرب منها للجامعة) يذكر بمجمع الاكروبوليس بأثينا نفسها. وهنا تغدو المقارنة ممتعة حقا. الأكروبوليس هو قبلة اليونانيين القدماء في عبادتهم. أما جامعة الملك فهد فهي قبلة نوابغ خريجي الثانوية العامة من كافة أنحاء المملكة. ذاك محراب للدين، وهذه محراب للعلم.

من الناحية العمرانية، فإن لجامعة الملك فهد إطلالة أخاذة على مدن المنطقة الشرقية الثلاث الدمام والخبر والظهران. مباني الجامعة كتل مجردة منفصلة، وقد تناثرت على سفح جبلها في تجاور غير منتظم لمرافق الجامعة، طعم بعض منها بعناصر حديثة من العمارة الإسلامية، وهي عموما ذات ملمس خشن تتعانق فيه الصحراء وتضاريس الجبل مع فراغاتها الداخلية المظللة. جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في كل تفاصيلها مثال ناجح لعمارة محلية حديثة، مستقبلية، وضاربة في أعماق التاريخ، كما مجمع الأكروبوليس في أثينا.

متى يا ترى يرتقي جبل ذرة في عمرانه وعمارته وفي مشهديته الطبيعية إلى مسماه، ويصبح ذروة في التوفيق بين ما وهبه الله وبين ما يمكن للإنسان أن يبدع، كما فعل في أثينا قبل آلاف السنين، أو في واحدة من روابي الظهران، في واحدة من أيقونات العلم والعمارة في المملكة والمنطقة.

أستاذ العمارة والفن بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل