مؤلم عندما ترى صغيراً يتجرأ على الكبار، فالجرأة على الكبار علامة مرض، وإن تُركت ولم تُعالج في بدايتها ستكون لها آثارها المستقبلية الخطيرة على المجتمع بأكمله، فلن يتقدم مجتمع ولا أمة يتجرأ صغارها على كبارها، بينما هي صامتة -تحت أي ذريعة- لا تأخذ على يد سفيهها.
في الحديث الشريف يقول من وضع قواعد الرقي البشري «صلى الله عليه وآله وسلم»: «أنزلوا الناس منازلهم»، وقد قال المناويّ في فيض القدير: «أنزلوا الناس منازلهم»؛ أي: احفظوا حرمة كل واحد على قدره وعاملوه بما يلائم حاله في عمر ودين وعلم وشرف، فلا تسووا بين الخادم والمخدوم والرئيس والمرؤوس فإنه يورث عداوةً وحقداً في النفوس والخطاب للأئمة أو عام، وقد عد العسكري هذا الحديث من الأمثال والحكم، وقال: هذا مما أدب به المصطفى «صلى الله عليه وسلم» أمته.
لماذا يتجرأ الصغار على الكبار؟
قد يكون سوء تربية، وخريجو البيوت الراقية تعرفهم من أقوالهم وأفعالهم، والعكس صحيح في العادة.
وقد يكون بحثاً عن الشهرة، وقصة الذي حسر عن ثوبه، ثم بال في زمزم بينما الحجاج يطوفون بالكعبة مشهورة، فعندما ضُرب هذا الباحث عن الشهرة بهذا الفعل المشين وجاءوا به إلى الأمير، قال له: قبّحك الله، لِمَ فعلت هذا؟، فرد: أحببت أن يذكرني الناس ولو باللعنات.
وما أكثر السائرين على دربه في زمننا اليوم، زمن التواصل الاجتماعي.
وقد يكون سبب الجرأة أمناً للعقوبة، ولذلك تأتي أهمية تطبيق النظام ودوره في حماية المجتمع، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
ولذلك لا بد من معالجة هذا الأمر من جذوره، بوقفة حازمة تجاه قليلي الأدب تبدأ من البيت بالتربية الجادة على تقدير الكبار وعدم التساهل بالحديث عنهم بالسوء أمام الصغار، مروراً بالمدرسة والمؤسسات التعليمية، وختمها بالضرب بيد النظام على من يتجرأ والتعاون من الجميع في ذلك، فضرر السفيه ليس محدوداً على الكبير، فالسحاب لا يضره نبح الكلاب، وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت، أتاح لها لسان حسود، ولكن الضرر على المجتمع بأكمله، فلن تفلح أمة يتجرأ صغارها على كبارها.
لقد قيل: لا يذكر الفضل لذوي الفضل إلا ذوو الفضل، وبالتالي لا ينكر فضل ذوي الفضل إلا عديم الفضل، أما من يتجرأ عليهم فمن الصعوبة أن يكون بشراً.