أبصرنا مدخل العام الجديد، سرنا إليه بهدوء بمبسم مبتسم حذر، فنحن قد فقهنا سرا من أسراره، فبعد أن تقول: كل عام ونحن بخير، وتغيّر خانة من خانات التواريخ، تتفاجأ بأنك وصلت إلى أطراف نهايته، وأنت تقول: «عام مضى بلمحة بصر وعام جديد سيبدأ بعد حين»، تفكر في بداياته وتكتب التاريخ القديم لتطمسه، وأنت تحدث نفسك: وكأن عام 1444 لم تأخذ فيه 44 حقها، رغم أنها هرولت سريعا إلا أن 45 قد سبقتها!!
نبدأ عامنا الجديد الذي تعلمنا أنه كسرعة البرق يمضي فقد بات شابا من كان مولودا صغيرا وعمر البنيان الذي كان بالأمس فرشة حديد وتجذرت عروق الأشجار التي بذرها المزارع بالأمس القريب، نبدأه بقافلة من التسويفات وكأنه يحتال علينا بعدد أيامه التي نكتبها بعدد كبير 354 يوما تقريبا، وللحظة نصدق أنها بهذا العدد ستمر بطيئة كجموع من سلاحف برية تعبر العالم من أقصى اليمين إلى يسار قصي بعيد.
لذا سنبدأ عامنا الجديد هذا بمشيئة الله وقد فقهنا سلوكه وسنعد العدة إن شاء الله بمسابقته حسبما نريد وستكون لنا الغلبة متى أردنا بعد تقدير العلي القدير، فقد خلق الله الإنسان وميّزه بوعي كبير وسنعتبر كل ثانية في صباحاتنا مضمارا جديدا نعيشها لا تعيشنا فنحن من نضيء حياتنا وشأنها مقتصر على احتساب أنفاسنا وسنغنمها بكل تقدير.
سنعتبر كل ساعة عارية من الملامح لنهندمها كما نشاء فنختار لها حلة جميلة، حلة مريحة تتحرك فيها نبضاتنا بأريحية تكون فيها اختياراتنا عالية الجودة مناسبة لطموحاتنا ولرغباتنا وخططنا أبدا لن نجعلها محبطة لقدراتنا بل سيكون هندام فكرها جيد الصناعة مناسبا لقدراتنا ومعطياتنا فلن نجعل حواشيه مزينة بغياهب المستحيل لنتعثر به ولن نجعله قصير المعطيات فيشوه فخامة هممنا والتفاصيل.
سنجعل كل يوم من أيامه بمشيئة الله شيئا نفيسا ندرك أنه لا يعاش إلا مرة فنهبه ما يستحق من تقدير، سنجود صلاتنا ونتدبر كل يوم في آيات مصحفنا وسنفهم التفسير، سنقبل والدينا ونطلب رضاهم كل يوم فهم جزء من البركة التي تتم بها منظومة التوفيق وسنصل أصفياءنا وندلل ذاتنا تدليلا عظيما وقبل أن نغفو سنشكر الوهاب على يوم مضى تنفسنا فيه وسنسأله أن يهبنا يوما جديدا ويبارك لنا فيه، وسنوصي أنفسنا به خيرا وسنسر به مهما كانت ملامحه يكفي أننا سنعيشه -إن أذن الله- فذلك شيء ثمين فقده من ضمه القبر أو في غيبوبة يعيش أسيرا.
* صباحيات
صباحنا طيب الخاطر اجتمعت فيه الحواس وابتهجت بموسوعة أشياء، عين مبصرة وثغر يتحدث وأذن لكل جميل منصتة وأنف يتنفس وإحساس عالي الجودة بكل عطاء لله يقابله حمد وشكر كثير.