@malarab1د.محمد العرب

في السادسة من العمر، شاهدتُ جارنا يلعب لعبة الشطرنج مع صديق له أمام عتبة دارهم لأول مرة، تأملتها، أحببتها، ثم طلبت منه أن يعلّمني قواعد اللعبة، كنتُ أنتظره لساعات حتى ينتهي منها، وأستعيرها لفهم أسرارها، بعد شهر تمكّنت من هزيمته، بعدها أدمنتها حتى باتت رقعة الشطرنج لا تفارقني، إلى أن تعرّفت على لاعب قوي أشبعني هزائم فحدثت القطيعة النفسية نتيجة تبخر أحلام العبقرية الشطرنجية.

مؤخرًا قررت أن أعود لها بعقلية الأربعيني المغامر، فوجدت أن القواعد ثابتة، لكن تكتيكات الحرب تغيّرت، وفعلًا وجدت نفسي محتفظًا بمهارات الطفولة والصبا، هناك علاقة وثيقة بين الشطرنج والسياسة، لعبة الشطرنج تتطلب إستراتيجية وتخطيطًا محكمًا من أجل الفوز، والقدرة على التحليل والتخطيط مهمة في السياسة أيضًا، فالسياسيون يحتاجون إلى تحليل الأوضاع والتخطيط للخطوات المستقبلية استنادًا على رؤية إستراتيجية، وفي لعبة الشطرنج يجب على اللاعب اتخاذ قرارات إستراتيجية في كل خطوة، وهذا يشبه العملية التي يتبعها السياسيون في اتخاذ القرارات السياسية المهمة، فكل خطوة في الشطرنج وكل قرار في السياسة قد يكون له تأثير كبير على النتائج النهائية، في الشطرنج يجب أن يكون اللاعب قادرًا على تحليل حركات الخصم وتوقع خطواته المحتملة، وهذه القدرة على قراءة الخصم وتحليل نواياه تعتبر أيضًا مهمة في السياسة لفهم الأطراف الأخرى وتوقع تصرّفاتها، في الشطرنج، يهدف اللاعب إلى السيطرة على قطع الخصم وإلحاق الهزيمة به، وهذه الفكرة تنطبق أيضًا على السياسة، حيث يسعى السياسيون إلى تحقيق الهيمنة والسيطرة على المصالح السياسية والاقتصادية، وعلى الرغم من أن الشطرنج ليست نموذجًا مباشرًا للسياسة إلا أن هنالك تشابهًا في العديد من المفاهيم والتحديات التي تستخدمها السياسة وقد استخدمت رقعة الشطرنج في العديد من الأحيان كصورة رمزية لتمثيل الصراعات السياسية والإستراتيجية في العالم الحقيقي.

روسيا هي البلد الذي يحوي أكبر عدد من الأبطال التاريخيين في لعبة الشطرنج، حيث تمتلك روسيا تاريخًا غنيًّا في الشطرنج، وقد أنتجت العديد من اللاعبين البارزين والأبطال العالميين، ولا يمكن لأي ممارس للشطرنج أن لا يعرف كاسباروف وفلاديمير كرامنيك وأناتولي كاربوف وميخائيل تال، إن الثقافة الشطرنجية القوية في روسيا وتراثها الطويل في اللعبة ساهما في تألق اللاعبين الروس واحتلالهم مراكز بارزة في التصنيف العالمي، ويُعرف عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شغفه بلعبة الشطرنج واهتمامه الكبير بها، ويعتبر بوتين لاعب شطرنج ماهرًا، ويعتبر اللعبة جزءًا من حياته الشخصية والسياسية، يُذكر أن بوتين كان قد تعلم لعبة الشطرنج في سن مبكرة وأظهر موهبة فيها وشارك في العديد من البطولات والمنافسات الشطرنجية وهو أحد الأعضاء الفخريين في اتحاد الشطرنج الدولي (FIDE)..

شخصيًّا أعتقد أن بوتين يعتبر الشطرنج مجالًا لتطبيق إستراتيجيته السياسية ويستخدم مهاراته في الشطرنج في تحليل الوضع السياسي وصنع القرارات والتخطيط وتحسين الإستراتيجية والتحليل، وهنا أعلن تحدي الرئيس بوتين في لعبة الشطرنج، وأترك له حرية اختيار المكان والزمان.