متعب القحطاني يكتب:

أوضحت عدة استطلاعات ودراسات أن غالبية الموظفين لا يشتكون من ضغوط العمل، بقدر شكواهم من الضغط النفسي الذي يسببه رؤساؤهم لهم، وطريقة تعاملهم معهم، والجو العام الذي يخلقونه في بيئة العمل، بحيث تتحوّل لبيئة طاردة خانقة، فيأتي الموظف يجرّ أقدامه كمَن يمشي لحتفه، ويقضي ساعات العمل كسَجينٍ ينتظر لحظة الإفراج.

لذلك، فإن من أكبر التحديات التي تواجه الإدارة العليا في أي منظومة عمل، هو اختيار القيادات المتوسطة الذين يتعاملون مع الموظفين بشكل مباشر، وينخرطون معهم في أعمالهم اليومية، بتحدّياتها وصعوباتها التي تخلق جوًّا متوترًا وضغطًا كبيرًا على الموظفين.

وكلما كانت عملية اختيار القيادات المتوسطة خاضعةً لمعايير دقيقة وواضحة، يتم تطبيقها على جميع المرشحين، دون محاباة لأحد، وبعيدًا عن الأهواء الشخصية، كانت النتائج مُبْهِرة، وظهرت آثارها لاحقًا على العاملين، وبيئات العمل، وجودة الأداء.

وسأذكر على عُجالةٍ خَمسًا من صفات القادة الحقيقيين التي تميّزهم، وتجعلهم أكثر تأثيرًا في فِرَقِهم، وأعلى نتائج من غيرهم، وأبقى أثرًا حتى بعد رحيلهم:

القائد الحقيقي واثق من نفسه، لا يسابق فريقه على منصّات التكريم، ولا يسرق نجاحاتهم ويجيّرها لصالحه، ‏بل يعزو النجاح لأصحابه، ‏لا سيما الجنود الأخفياء الذين يعملون بصمت خلف الكواليس. وهو قريبٌ منهم لا يعاملهم بتعالٍ، بل بكل احترامٍ وتقدير كشركاء نجاح ورفقاء درب.

يعرف مواطن الضعف والقوة لدى أفراد فريقه، ويستطيع توظيف طاقاتهم ومهاراتهم بأمثل طريقة تضمن للمجموعة أفضل النتائج على المديَين القصير والبعيد؛ مما يجعل الجميع (البارزين وغيرهم) يشعرون بقيمتهم وبأهميتهم للفريق، وبأنهم شاركوا في تحقيق تلك النتائج والإنجازات.

يسعى لمصلحة العمل ويدور في فلكها، تلهمه النجاحات الكبيرة والإنجازات المستدامة، التي قد تستغرق وقتًا طويلًا، ولكنها أكبر أثرًا وأعمق تأثيرًا وأجدى نفعًا. وليس ممن يبحث عن النجاحات الوهمية أو السريعة، وما يصحبها من فرقعاتٍ إعلاميةٍ تضعه في دائرة الضوء والاهتمام، حتى ولو علم أنها مضيعة للجهود، ودون أثرٍ يُذكَر، أو ربما أدَّت إلى نتائج غير جيدة مستقبلًا.

لا يحاول إثبات جدارته واستحقاقه أمام الإدارة العليا، بل يحمل على عاتقه تطوير وإبراز موظفيه وبناء خبراتهم وتنمية مهاراتهم ورفع قدراتهم.

ويعمل جاهدًا لإيجاد وبناء قادة حقيقيين يحملون الراية من بعده، ولا يخشى منافستهم له، مهما رأى فيهم من علامات النبوغ والتميّز. فهو يقيّم نجاحه الشخصي بعدد القادة الذين اكتشفهم وعمل على إعدادهم، لا بالجوائز والدروع التي تزيّن مكتبه.

يستطيع بذكائه العاطفي والاجتماعي وشخصيته -غير المتصنَّعة- خلق بيئة عمل صحيّة وجاذبة. فهو، بالرغم من ضغوط العمل وكثرة المهام، إلا أنه يجد الوقت لبناء علاقات صحيّة، يزيّنها الاحترام والتقدير، مع وبين موظفيه. كما يعزز فيهم روح التنافس المحمود والتعاون والتكامل بينهم.

عزيزي القارئ..

سأقدّر لك مشاركة المقال مع رئيسك في العمل، ولكن على مسؤوليتك الشخصية..!