متعب القحطاني@MetebQ

يبدو أن البعض لديهم شعور بامتيازات «متوهّمة» بالأفضلية عمن سواهم، وبالاستحقاق أكثر من غيرهم، وأنهم لا بد أن يكونوا في الطليعة، وتحت الأضواء، ومحط انتباه الجميع. تغريهم صدور المجالس ومنصات التكريم وتصفيق الجماهير.

بسبب عقدة الرقم (1)، يعيش هؤلاء على مبدأ «إما كل شيء أو لا شيء»، ويغلب عليهم الاعتداد الزائف بأنفسهم، وشعورهم المتضخّم بالاستحقاق، ويتمثّلون دائمًا قول أبي فراس الحمداني:

«ونحنُ أناسٌ لا توسّط عندنا...

لنا الصدرُ دون العالمينَ أو القَبرُ»

في أولمبياد 1912م، تصدر أحد العدّائين سباق 1500 متر. وقبل نهاية السباق بأمتار معدودة، تجاوزه عدّاء آخر ليسبقه إلى خط النهاية ويفوز بالسباق. وبعد 70 عامًا، قال صاحب المركز الثاني والميدالية الفضية في حوار صحفي: «أستيقظ أحيانًا وأتساءل عما حدث لأستحق تلك النهاية المؤسفة».

وفي عام 1992م، قام بعض الباحثين من علماء النفس باختبار فرضيتهم على الفائزين بالمراكز الثلاثة الأولى في الألعاب الأولمبية الصيفية ذلك العام.

فقاموا بعرض صور الفائزين وهم على منصات التتويج على عدد كبير من الناس، لتقييم مستوى فرحهم أثناء استلامهم ميدالياتهم على مقياس من 1 إلى 10.

وكانت النتيجة طبيعية لأصحاب الميداليات الذهبية؛ حيث سجلوا أعلى معدلات الفرح، بينما كانت المفاجأة أن أصحاب الميداليات البرونزية أظهروا مستوى أعلى من الفرح بالمقارنة مع زملائهم من حاملي الميداليات الفضية.!

ويأتي السؤال: لماذا يُعدّ البعضُ المركزَ الثاني فشلًا؟ لماذا نحرم أنفسنا فرحة الإنجاز في تلك اللحظة؟

من وجهة نظري، أعتقد أنه بسبب الوقوع في «فخ المقارنات»، الذي يجعل من يسقط في حبائله زاهدًا فيما لديه، منتقصًا ومزدريًا له.

وهذا بالضبط ما حرم الكثيرين من حاملي الميداليات الفضية من الفرح والابتهاج.

فبالرغم من تفوّقهم على المئات من المشاركين، إلا أن أعينهم كانت على ذلك الشخص الوحيد الذي تفوق عليهم، فخالطت الحسرةُ فرحتَهم وأبدلتها همًّا وغمًّا.

وليس للإنسان من سبيلٍ للخروج من هذا المأزق إلا بالتعاطف مع ذاته وإدراك بشريّته وضعفه، والتركيز على الموجود لا المفقود، وعلى ما أنجز وأدرك لا على ما فاته.

إنه الرفق بالنفس، وتقدير الجهد الذي قدّمتَه، والامتنان لما حققته، ولو لم يبلغ الكمال، فالكمال لله وحده.

وتذكّر -عزيزي القارئ- أنه ليس شرطًا أن تكون الأول في كل شيء حتى تفرح، ولا قائدًا حتى تؤثر في الآخرين وتترك أثرًا طيبًا، وليس لِزامًا أن تكون تحت الأضواء حتى يُسمع لك ويشعّ نور معرفتك.

كلنا بلا شك نسعى لتحقيق الأفضل، ولكننا حتمًا لسنا فاشلين إنْ لم نحقق المركز الأول.

علينا -يا سادة- أن نتخلص من عقدة الرقم (1)، لنستمتع بما حققناه، ونحتفي بكل مِيلٍ قطعناه، ونعيش لحظة الفرح بطولها وعرضها وبكل تفاصيلها، وألا نبخس إنجازاتنا حقَّها، ولو كانت بسيطة.