مي العتيبي@maiashaq

منذ توحيد هذه البلاد المباركة على يد مؤسّسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيّب الله ثراه – ونحن نسمع عن انتهاجه سياسة الباب المفتوح، والتي تنطلق من مبدأ إسلامي عظيم مذكور في الآية الكريمة «وأمرهم شورى بينهم»، خاصة مع قلة التعقيدات الاجتماعية آنذاك، وانعدام وسائل التواصل التقنية وغيرها، فقد استشفّ – رحمه الله – منذ بدايات توليه السلطة ضرورة الاستماع إلى رعاياه ومرؤوسيه، وأخذ آرائهم ومشاكلهم منهم مباشرة منعًا لأي ظلم قد يقع عليهم.

ولأن هذا المبدأ سياسة عظيمة مليئة بالخير والصلاح لجميع الأطراف، كان لزامًا أن يتبعها أي مسؤول يدرك ثقل المسؤولية مهما كانت بسيطة، ويستشعر الأمانة ويخشى الظلم في حِماه، لكن هل يمكن لهذه السياسة أن تقلب الموازين، وتكون بابًا لوقوع الظلم وليس رفعه؟ نعم ومع كل أسف، وكحال أي خير يمكن أن يتسلقه الأشرار، قد تتحوَّل سياسة «الباب المفتوح» إلى سبب رئيسي لوقوع الأذى والظلم.

إن المسؤول الشريف، والذكي، والذي هو فعلًا جدير بالمسؤولية، يعرف متى يجعل بابه مفتوحًا للخير ومنفعة الناس، ومتى يغلقه في وجه الشر وأهله والذين لا يصعب عليه أبدًا معرفتهم، خاصة مع تراكم خبرات الحياة وتوارد جميع أصناف نفوس البشر على طريقه قبل توليه هذه المسؤولية، فلن يحتاج وقتها إلى أكثر من الوقوف بموقف المحايد حتى يستطيع رؤية المواقف بصورتها الواسعة الحقيقية دون تضييقها أو الاكتفاء بزاوية واحدة منها، كما أنه يعلم أن الحكم لا بد أن يتم بعد الاستماع لكافة الأطراف، وفهم خلفياتهم النفسية ودوافعهم ودراسة لغاتهم الجسدية، والتي حتمًا ستفضي به إلى القرارات والأحكام السليمة فيما يتعلق بنطاقات صلاحياته ومسؤولياته.

ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يسمح المسؤول بخطف هذه السياسة العظيمة إلى جهات مظلمة تسيء له ولمرؤوسيه، أو أن يساعد مَن يتخذون مثل هذه السلوكيات المشينة والدسائس ضد الآخرين، والذين هم عادة أفضل منهم على كافة الأصعدة على تحقيق مرادهم، وينصرهم دون تمحيص، خاصة أن الكثير من الشرفاء والعقلاء يستكثرون التردد على المسؤولين وإزعاجهم بالشكاوى حتى مع علمهم المسبق بأن المسؤول «فاتح بابه».

وشخصيًّا، متفائلة جدًّا بالتجديد الذي نراه في كافة ميادين بلادنا، والإدراك العالي لدى المسؤولين بخطورة البطانة السيئة، وكارثيّة فتح أبوابهم لهم ولمَن لا يهمهم الصالح العام، ويركضون خلف مصالحهم الشخصية فقط، في عهد قيادة لا تتهاون مع الفاسدين ولا تقبل بالظلم أو التقصير.