@SaudAlgosaibiسعود القصيبي

قد يجهل الكثير وجود آثار بالمنطقة الشرقية موغلة في القِدم، وقبل التاريخ المعروف عثر عليها علماء الآثار. فهناك مواقع تاريخية مهمة بالمنطقة تعود إلى سبعة عشر مليون سنة، وبالتحديد ما يُطلق عليه بعصر الميوسين. وليست هي مما اكتشف بالديناصورات من حيوانات قديمة انقرضت. جاءت هذه الاكتشافات من خلال بعثات أثرية قديمة عُثر من خلالها على بقايا أحافير بحرية كالمرجان وحيوانات مثل التماسيح والسلاحف وأمثال وحيد القرن حيوان المستودون المنقرض الشبيه بحيوان الفيل، ونوع من القردة القديمة ذات الصبغة الأفريقية. وهذا ليس خيالًا علميًّا إنما معثورات أثرية حقيقية متحجرة تفيد بمناخ ومنطقة ليست متصحّرة وغابات مطيرة، وليس كما نعرفها اليوم.

هذه الحيوانات عاشت، فيما يُعتقد، في بيئة ساحلية شبه استوائية حول بحيرات ذات مياه عذبة تحيط بها. في هذه الفترة الزمنية من عصر الميوسين، انتشرت أنواع الثدييات، بما فيها أنواع وحيد القرن والقطط والخيول والجمال والأشكال البدائية التي من بينها القردة، كما تكاثرت في البحار الحيتان وحيوان الفقمة. كما كانت الأرض ليست كما نشاهدها اليوم جيولوجيا، ففي نهاية هذه الحقبة بدأت جبال الهملايا في الارتفاع، وكان الطقس مختلفًا جدًّا. وقد يكون هذا الكشف القديم أهم دلائل الحياة بالجزيرة العربية، فما نشاهده مكتشف من حيوانات متحجرة أو من بيض متحجر لطيور، فهي تبقى كشاهد وتسجيل حضور عن تلك الحقبة من التاريخ.

وإن ذهبنا أقرب لعصرنا الحالي لوجدنا نقوشًا صخرية على حواف الجبال بالمنطقة الشرقية، القليل يعلم عنها لتواجدها في أماكن نائية، إلا أنها أحد أهم دلائل الاستيطان المبكر بالمنطقة. وليست هي بالعدد كمقياس، فجبال المنطقة قليلة مما يميّزها عن غيرها. فرغمها تمكّن الإنسان القديم من سطر ورسم وتأكيد وجوده. وليست هي كما تلك الجبال المتواصلة بغيرها من مناطق. ويوجد بالمنطقة الشرقية أكثر من 24 موقعًا لرسومات ورموز صخرية كشفت في عام 1987م على سفوح الجبال وآخر هذا العام. احتوت هذه النقوش على مجموعات من الرسوم الصخرية لأشكال آدمية وحيوانية ورموز تعود لعدة فترات زمنية مختلفة. وجاءت هذه النقوش كخطوط بسيطة في طبيعتها أو في البعض منها أكثر تطورا بنقر الفراغات. وما يميزها أن تلك النقوش الصخرية أتت على الواجهات الصخرية من الحجر الجيري الذي يعود إلى العصر الجيولوجي الميوسين، وهو ذات العصر الذي تحدثت عنه في البداية. مما قد يعني أننا أمام، ليس فقط الآلاف من السنوات قبل الميلاد، وإنما الملايين منها، والتي تشير إلى تواصل الحياة بالمنطقة، ومنذ تلك العصور السحيقة.

ومن هذه النقوش رسم لفارس على حصان ومعه رمح، ورسم لأحد الأحرف الثمودية بشكل رجل بنمط مميّز ويُعدّ هذا النمط من النقوش هو الأقدم وقبل تطورها إلى مرحلة الحروف الكتابية.

كما توجد نقوش لجمل وطائر نعام الذي من المعروف أنه انقرض في الجزيرة العربية. ويعتقد علماء الآثار بما اكتشفوا من نقوش بالمنطقة الشرقية أنه من خلال المقارنة بمثيلتها مما اكتشف بمناطق مختلفة أن جاء الكثير منها لأحرف ثمودية، وكما ننطقها اليوم بلغتنا. وهي تمثل بطبيعتها التواصل البشري ومنذ عهود ماضية بما فيها الهوية العربية القديمة. وهي أيضًا دليل على تواجد العرب كقومية منفصلة عن مثيلاتها، مميّزة بذاتها، وقبل أكثر من ألفي عام قبل الميلاد كما تشير الدراسات الأثرية عن قدم مواقع النقوش بصفة عامة.

إن المنطقة الشرقية تزخر بالكثير من النفائس التاريخية التي إن طوِّرت سياحيا فسوف تأخذ منحى جيدًا ومميزًا كوجهة سياحية. كما نتمنى تبني الجهات المعنية بالسياحة والتراث والمتاحف احتضان مثل هذه المواقع من الفنون الصخرية للوفود السياحية، ومن توظيف عصري متعدد لأنماط تلك النقوش وإشهارها للإثراء المعرفي وبمكوّنات إرثنا الثقافي التاريخي وعناصره المتعددة.