نعود بذاكرتنا إلى عالم الطفولة ونحن نقلّب عالمًا جميلًا نلمح تفاصيله من خلال صور، نلاحظ ماذا كنا نرتدي، وكيف سرحنا، شعرنا وحركاتنا المختلفة التي أدّيناها وحفظتها الالتقاطة برفقة إخوتنا، أقاربنا وأصدقائنا، تظهر بعض الابتسامات هنا وهناك، ورغم أنها قد فقدت بعض الأسنان، ما زلنا لا نخفي ابتسامتنا بل نُظهرها بكل ارتياح، نواصل تقليب ألبوماتنا، نلمس وريقاتها، نقرّبها أحيانًا من أبصارنا، بعد أن نتساءل: «من هذه؟»، لنتذكر مَن تكون، فنتبسم، ونحدّث أنفسنا بتحنن لنقول: «إليك يا ذاتي الصغيرة نعم أشتاق»، ونستأنف التقليب لتبدأ الصور تحملنا لفصولٍ جديدةٍ من حياتنا، فصل إثر فصل، ومظاهر تختلف، وملامح تكبر، وتضاءل عدد الظاهرين في الصور من أشخاص وأشخاص جُدد يظهرون متخذين أماكن مختلفة في تلك الصور.
تلك الألبومات اللطيفة التي نحفظها بتنسيق عمري متسلسل كنزنا لحظات الفراغ، وأنس يهمس الابتسامات ومعزوفات اشتياق ودليل ومرجع لنا على فصول حياتنا التي نتذكر فيها بجانب كل ما نتذكره من مسرات، كيف مررنا بأزماتٍ و انكسارات، أحزان وفقد وتشتّت وضياع، وكيف أننا بعد كل تجربةٍ مهما كانت قساوتها، نبدأ فصلًا جديدًا، ونتوقف عند فصل معيّن فيه شيء ما تغيّر فينا، لم نعُد بعده كما كنا، هناك شيء تغيّر ليس في ملامحنا ولا في أعمارنا، بل في أرواحنا تجد علامته مرسومة في مكان ما، تتبيّن أثره إما في نظرة أعيننا أو في خطوط ابتسامتنا.
غالبًا - على ما أظن - هناك حدث بعده لا نعود كما كنّا، البعض يصادفه بعمر صغير، وأشعر بأن هؤلاء محظوظون، فالتئامهم سريع، والبعض يلتقي به في عمر التمييز، وهؤلاء أظن بعد أن ينتكسوا يمضون بحذر حذِر شديد، والتآمهم يأخذ من الوقت حيزًا صغيرًا، والبعض يختطفهم ذاك الحدث في عمر راجح؛ ليطلق سراحهم بعد حين، وأظن هؤلاء تشقى أرواحهم لفترة ممتدة، فهم لا يعرفون كيف يتصرفون مع نسخهم الجديدة لزمن طويل جدًا.
ألبومات صورنا لا توثق فقط اللحظات المرفقة بأعمارنا، وتبدّل ملامحنا، ورفقة أحبائنا، بل أحيانًا توثق أيضًا لحظات تبدل أرواحنا.
* أظنها حقيقة
اختلف العالم في أمنياتهم كثيرًا، واتفقوا على أمنية واحدة، ليتنا نعود صغارًا..