د. لمياء البراهيم@DrLalibrahim

- عالِم النفس النمساوي فرويد صنَّف المستويات العقلية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وهي:

1. الوعي الواعي: يعبّر عن الجزء الذي نشعر به ونعيشه بشكل مباشر في حياتنا اليومية. يتضمن الوعي الواعي تجاربنا الحالية والأفكار والمشاعر التي نأخذها بشكل واضح ونستطيع الوصول إليها بسهولة.

2. الوعي الاستعمالي: يمثل طبقة من الذاكرة التي يمكننا الوصول إليها بصعوبة. ويشمل الأفكار والمشاعر والذكريات التي ليست حالية في الوقت الحالي، ولكن يمكن استدعاؤها عند الحاجة.

3. اللا وعي (العقل الباطن): يعتبر هذا المستوى الأعمق والأكثر صعوبة في الوصول إليه. ويشمل الأحاسيس والدوافع والمعتقدات والذكريات التي ليست مدركة بشكل واضح من قبلنا. ويعتقد فرويد أن اللا وعي يحتوي على أنماط من السلوك والتفكير والرغبات التي تؤثر على سلوكنا وتشكل جانبًا مهمًا من شخصياتنا.

تصنيف فرويد لمستويات العقل يشكل أساسًا مهمًا لنظريته في تحليل النفس وتفسير سلوك الإنسان، والذي يحمل تأثير مخلفات تجارب الطفولة والمراهقة ومنها صدمات تنعكس عليه في حياته، وتؤثر عليه سلبا أو مع مَن يتعامل معهم.

- فالتجارب التي يمر عليها الطفل بسنوات حياته تتحوَّل إلى خبرات أو تراكمات نفسية تؤثر عليه بشكل مباشر أو غير مباشر إيجابًا أو سلبًا كان من سلوكيات، أو أمراض نفسية وعضوية كالقلق والرهاب ونوبات الهلع، والاكتئاب والانتحار، وبشكل غير مباشر لها علاقة بزيادة الأمراض المزمنة، وقد تتطور لجرائم جنائية أو أمنية.

العنف النفسي كان أكثر أنواع العنف التي عانى منها الأطفال في السعودية بنسبة 65% وفق دراسة مسحية لبرنامج الأمان الأسري الوطني بعام 2016 باستخدام النموذج الدولي لتقصي ممارسات إيذاء وإهمال الطفل المنزلية.

- ومهما كانت أسباب العنف ومعالجتها فإن الأثر المترتب على ذلك في تنشئة طفل أو مراهق بعُقد نفسية وضغوط تفوق طاقته لتحمّلها خصوصًا عندما يكون الإيذاء من الأسرة نفسها.

الحماية من الإيذاء وحماية الطفل من الأمور التي تهتم بها الحكومة السعودية، ووضعت لها الكثير من التشريعات والإجراءات، منها على سبيل المثال لا الحصر فتح قنوات التواصل من خطوط ساخنة مثل خط مساندة الطفل التابع للمركز الوطني للأمان الأسري، ومركز تلقي بلاغات العنف الأسري للتدخل السريع في حالات الاعتداء الجسدي، وتأمين دور الضيافة لاستقبال الحالات المعنفة وحمايتها، وتأهيل المتخصصين في الداخل أو عبر الابتعاث لعلاج هذه الحالات، والسماح بفتح مراكز الاستشارات الأسرية والجمعيات المتخصصة التي لها إيجابيات وسلبيات في جودة الخدمات المقدمة منها، ومتابعة أدائها وأهلية مَن يقدم الخدمات الاستشارية الأسرية.

- ونحو استدامة العمل للحد من تبعات التجارب السيئة التي تتعدد فيها أوجه الإيذاء الممارس على الشخص، سواء كان طفلا أو مراهقا أو شابا أو كهلا، فينبغي تضافر الجهود والاستفادة من الموارد المكانية والمالية والمادية والبشرية المتاحة بنظام احتواء محوكم ورقمي، يرتبط فيه جميع المقدمين للخدمات التي ترتبط بالعنف وتجارب الطفولة السيئة، والمستفيدين منها، ليسهل على الفرد والجهات المختصة المتابعة فيه بما يحفظ خصوصية من يتلقى الخدمة وسرية معلوماته، ويضمن تعامله مع متخصصين في المجالات التي يحتاجها وقطع الطرق على الدخلاء والمنتفعين الذين قد يزيدون الطين بلة في التجارب السيئة.

احتواء الإيذاء والتجارب السيئة بمظلة مؤسسية وقائية وتشخيصية وعلاجية وتأهيلية وقانونية وبحثية سيساهم في التعامل مع هذه المشاكل وتخفيف آثارها السلبية التي تنعكس على الحد من تطور المجتمع، وزيادة عبء المراضة صحيا واقتصاديا، وتأثيرها السلبي على الأمن المجتمعي.