غالية المطيري

@1428_mona

الليل.. وما أدراك ما الليل!!

الليل لِبَاسُ وغطاء لكل ألم..

والليل بالنسبة لها قصة موجعة، به تشتد معاركها فلا يمضي من الليل هزيعه الأول إلا وقد أيقنت بهلاكها.

فإذا بالحنين يبدأ يضرب ضرباته الأولى في تلك المعركة الحامية الوطيس حتى تستثير مكامن دمعها فتجهش بالبكاء كطفل في صباح العيد أخذ يعُد نقوده فرحًا بها.

وإذا هو بحال سعادته تلك إلا وقد فاجأته يدٌ قوية فانتزعت نقوده منه، ولطمته لطمة تفجّر من شدتها بركان دمٍ أحمر من أنفه، فأخذ بالبكاء والصراخ لا يفصل تلك النوبات الموجعة من الصراخ إلا شهقات على شدة وجعها إلا أنها مصدر للراحة بين تلك النوبات الشديدة من البكاء، ولا يختلف حالها عن حال ذلك الطفل إلا أنها أخفت صوت صراخها وبكائها بطرف لحافيها تحشوهُ في فمها علّه يُجدي نفعًا بحبس تلك النوبات من البكاء وشدته.

فتتوسّد ألمها وتضطجع على دخيلة نفسها، وما كانت تلك الدخيلة التي تعالجها بداخلها، وتحرص على إخفائها عن كل عين محبة لها.. إلا نار يشتد سعيرها ويقتلها حرها وبردها..

فهي تحيا بين نارها الحامية، فإذا ظنت الهلاك من حرها انقلبت زمهريرًا باردًا فيخف احتراق روحها، وتظن عندها النجاة فلا تلبث برهة حتى ترتعش روحها، وتزرق أطراف مشاعرها، وهكذا هي حالها تتقلب بين حرارة الوجع وزمهريره، فلم تعُد تطيق من حياتها ما تطيق..

ولا تزال على تلك الحال حتى يغلب عينها سِنة من النوم.

وما أن يلوح الفجر إلا وقد استيقظت تلملم شتات نفسها، وتستجمع بقايا شجاعة كمُنت داخلها بعد تلك المعركة وهي تنتظر شروق الشمس.

ما أجمل شروق الشمس، فكأن شعاعها المترامي في الأفق البعيد رسالة ربانية تزيل عن تلك الأرواح المتألمة أوجاعها.

فما تمضي إلا ساعة قد تقل عن ذلك بقليل..

إلا وقد استعدت ومضت إلى عملها..

- صباح الخير يا سيدتي، لقد أعددتُ لك قهوتكِ، كما طلبتِ، ووضعت الأوراق على مكتبكِ.

فلا تمضي بضع خطوات حتى تسمع تلك الهمهمة المعهودة.

- انظري لها ما أجملها.. 

- كم أتمنى أن أعرف.. لا توجد لدى هذه الإنسانة هموم!!

- وهل للحزن طريق على هذا الوجه المبتسم دائمًا؟!

فتعلو محيّاها ابتسامة، وهي تقول في داخلها:

أسأل الله ألا يذيقكما من ذلك الألم شيئًا.

إنها الثقة بالله، هي ما تدفعني إلى أن أكون كما أنا.

سعيدة راضية رغم معارك الألم الطاحنة.

وهكذا هو حال البشر إن شاهدوا عليك مظاهر السعادة تساءلوا عن سببها، ولِمَ لا يصيبك من مآسي الحياة ما يصيبهم.

وأن غلب الحزن شجاعتك، وهدم جميع حصونك، فمضيت بين الناس شاردًا، وقد طغت علامات بؤسك على ملامحك.

استعاذوا بالله من حالك، وفضّلوا الابتعاد عنك حتى تعتاد روحك العزلة.

فالبشر عجيب أمرهم.

لذلك عليك ألا تظهر مواطن ألمك لعدو فيسوءك منه شماتته ولا حبيبٌ فتحزن روحه لألمك.

وليكن ملاذك رب تلك النفس وخالقها، فالتضرع والبكاء بين يديه نعمة وطمأنينة لا يمكن وصفها.

ولا حتى التعبير عنها لعظيم جمالها.

فالحمد لله أن خلقنا وأنعم علينا بنعمة الإيمان به.

وهذه النعمة وجدها ذلك الأب الضرير والمكلوم بفقد أبنائه فقال (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون).