د. عبدالله القرني

(@abolubna95)

يُعدُّ الارتباط الوظيفي أحد أهم مؤشرات قياس نضج وجودة بيئات العمل في المنظمات المختلفة؛ بل إنه البوصلة التي تشير إلى المسار الصحيح لتقدّم المنظمة نحو تنفيذ خُططها، وتحقيق مستهدفاتها بنجاح، ويُعتبر من أهم التحديات التي تواجهها المنظمات اليوم. ويُعتبر الدكتور (وليام كان) أستاذ السلوك التنظيمي بجامعة بوسطن، من أوائل مَن أشار إلى هذا المفهوم، وبيَّن أثره المباشر على الفرد وعلى بيئة العمل، وذلك من خلال أحد أبحاثه المنشورة في العام 1990م، والذي أصبح لاحقًا مرجعًا مهمًّا في هذا المجال.

يُعرَف الارتباط الوظيفي بصفة عامة بأنه العلاقة بين الفرد والمنظمة التي يعمل بها، وتتضمن هذه العلاقة جميع التفاعلات التي يمكن أن تنشأ بين الأفراد أنفسهم من جهة، وبين الأفراد والمنظمة من جهة أخرى، وكذلك مدى التأثير الذي يمكنهم إحداثه لتحقيق أهداف المنظمة.

وقد وصف الدكتور وليام الارتباط الوظيفي بأنه الحالة التي يصبح فيها أفراد المنظمة مندمجين في وظائفهم وذلك من خلال ارتباطهم بها جسديًّا ومعرفيًّا وعاطفيًّا، ولهذا المفهوم مسميات أخرى مثل مشاركة الموظفين أو الاستغراق الوظيفي.

ويلعب الارتباط الوظيفي دورًا هامًّا في تعزيز العمل الجماعي والتنظيمي الفعَّال لأي منظمة؛ حيث يساعد في تحسين التنسيق بين الإدارات وتحقيق التعاون والتفاعل المثالي لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمنظمة.

ويمكن تحسين الارتباط الوظيفي عن طريق تحسين نظام الاتصالات والتواصل داخل المنظمة وتحديد مسؤوليات الأفراد والإدارات بشكل واضح ودقيق.

ومن الإيجابيات التي يمكن أن يحققها تعزيز مفهوم الارتباط الوظيفي داخل المنظمة هو تحسين الأداء؛ حيث يعمل الأفراد على تحقيق الأهداف بأفضل الطرق الممكنة من خلال العناية بجودة العمليات التشغيلية المناطة بهم، وينعكس ذلك بدوره على رفع مستويات الإنتاجية.

ونظرًا لأهمية الارتباط الوظيفي، فقد أولت مراكز البحث والدارسات مؤخرًا دراسة تأثير هذه العلاقة على الأداء الوظيفي ومستويات رضا الموظفين، بالإضافة إلى الولاء الوظيفي، وركّزت هذه الدراسات على فهم العوامل التي تؤثر على استمرارية الموظفين في العمل لفترةٍ طويلة، وتقليل معدل الانتقال بين المنظمات، وكذلك دراسة أثر الارتباط الوظيفي على الابتكار والإبداع؛ حيث وجد أن الارتباط الوظيفي القوي يشجّع الموظفين على الابتكار، وتقديم الأفكار الجديدة التي تؤدي إلى تحسين العمل، وتطوير المنظمة.

ومن الأمثلة على ذلك ما أكدته الدراسة التي قامت بها شركة جلوب الأمريكية للدراسات والاستشارات في عام 2009م؛ حيث شملت الدراسة عددًا من الشركات المختلفة والمتواجدة في عدد مختلف من الدول، وخلصت الدراسة إلى وجود انخفاض ملحوظ في إنتاجية الشركات ذات معدلات الارتباط الوظيفي المنخفض وصل إلى حوالي 18%، وقد أدى ذلك إلى انخفاض وصل إلى 60% في جودة الخدمات والمنتجات المقدمة.

ومن المكتسبات المهمة التي يعززها وجود مستويات عليا من الارتباط الوظيفي هي دوره في الحماية الاجتماعية للفرد من جهة، من خلال توفير التأمين الصحي، والتأمين على الحياة، والتأمين على العجز والتقاعد، وتوفير الاستقرار المالي له من جهة أخرى، من خلال تحسين أنظمة العوائد والدخل، ومن شأنهما دعم الاستقرار النفسي والاجتماعي للموظفين.

وأخيرًا.. إن القيادة الفاعلة تلعب دورًا حيويًّا في تعزيز الارتباط الوظيفي بين الموظفين والمنظمة من خلال القيام بمسؤولياتها المناطة بها في توضيح الأهداف والرؤية الخاصة بالمنظمة بطريقة أكثر شفافية، وتقديم الدعم والمساندة اللازمَين للموظفين لإنجاز مهامهم وتحقيق الأهداف المحددة، بالإضافة إلى فرص التطوير المهني الداعمة للموظفين وإدارة العلاقات بين الموظفين بطريقة فعَّالة ومحفّزة.