- جاء في كتب السيرة والأحاديث النبوية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من غزوة الأحزاب (الخندق)، قال لأصحابه: «لا يُصلّينَّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة»، وذلك لخيانتهم وغدرهم واعتدائهم على نساء المسلمين أثناء انشغال الصحابة في الغزوة.
فأدرك بعضُ الصحابة العصرَ في الطريق، فاختلفوا، وقال بعضهم: «لا نصلي حتى نصل لبني قريظة»، وقال آخرون: «بل نصلي الآن، لم يُرِدْ منا ذلك». فلما ذُكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُعنّف أحدًا منهم.
- يقال إن عملية الاتصال ببساطة تتكوّن من: مُرسِل، ورسالة، وقناة/ وسيلة اتصال، ومُستقبِل.
فإذا أسقطنا هذا على القصة أعلاه، فالمُرسِل هو رسول الله أفصحُ العربِ لسانًا وأبْيَنُهم لهجة، والرسالة قصيرة وبمفرداتٍ واضحةٍ لا تتجاوز ثماني كلمات، والوسيلة هي الحديث المباشر دون واسطة، والمُستقبِل هم الصحابة من العرب الأقحاح.
ومع ذلك وقع الاختلاف في الفهم، وبناءً عليه اختلف الفعل والسلوك.
إنَّ معظم مشاكلنا في التواصل مع الآخرين - لا سيما في بيئات العمل - تحدث لسببين: إمَّا مقصودًا لم يُفهَم، أو مفهومًا لم يُقصَد.
وحتى لا نقع في فخ الافتراضات والتوقعات وسوء الفهم، علينا أن نتأكد كمرسلين من وصول رسالتنا للطرف الآخر واضحة وصحيحة وكاملة، وأنه فُهم المراد والمقصود منها كما نريد.
- كما ينبغي علينا كمستقبلين أن نتأكد من فهمنا الصحيح لمحتوى الرسالة ومضامينها، وذلك عن طريق الاستفسار عن المقصود والاستيضاح عن بعض التفاصيل والتغذية الراجعة للتأكد من سلامة فهمنا.
أما على صعيد العلاقات الإنسانية والتعامل الشخصي مع الآخرين، فعلى الواحد منا ألا يستعجل في الرد أو اتخاذ موقف بناءً على فهمه لكلام الطرف الآخر أو ما نُقِلَ عنه.
فالإنسان قد يخطئ في التعبير عن فكرته أو رأيه، أو تخونه العبارة، أو يزل لسانه أو قلمه بكلمة غير مقصودة، لذلك كان لزامًا علينا تقديم حسن الظن وحمل الكلام على أحسن المحامل، وكما قال أحدهم: «إذا خانني التعبير، فلا يخونك التفسير».
وفي الأمور المهمة، علينا الحرص على إيصال الرسالة بأنفسنا، وتقليل الوسائط بين المرسِل والمستقبِل قدر الإمكان، لضمان وصولها كاملة غير مشوَّهة، وخاليةً من «البهارات».
- فكما قالوا قديمًا: «وما آفة الأخبارِ إلا رُواتها». فمَنْ ينقل عنك، هو في حقيقة الأمر ينقل ما فهمه منك، وقد يكون فهمه خطأ، أو ربما أدرك منك قولًا فحفظ بعضه وغفل عن جزءٍ منه أو نسيَ بعضه.!
- بقي أن أشير إلى أمرَين مهمَّين نحتاجهما كثيرًا لإيصال رسالتنا ومرادنا على أكمل وجه.
الأول: توظيف مهارات التواصل غير اللفظي مثل لغة الجسد والتواصل البصري وتعابير الوجه والإيماءات في توضيح رسالتنا، وتوكيد مضامينها.
والأمر الثاني: مراعاة الاختلافات الثقافية والفكرية بين المُرسل والمُستقبِل، وفرق العادات واختلاف اللهجات، وما إلى ذلك مما قد يضر بعملية الاتصال الفعّال.