أمرٌ «اعتياديّ» أي مُشاهَد أو ملحوظ أو يُفعَل بشكلٍ متكرر. واعتيادُ أمرٍ ما بمعنى تَعَوُّده، ومنه قول الجزيري الأندلسي:
ألوى بعَزمِ تَجَلُّدي وتَصبُّري
نأيُ الأحبَّةِ واعتيادُ تَذكُّري
والاعتياد قد يكون محمودًا في بعض الأمور، وقد يكون مذمومًا في غيرها.!
فمن الاعتياد المحمود اعتياد فعل الطاعات وأعمال الخير، واعتياد السلوكيات الحميدة، وجعلها جزءًا من الروتين اليومي أو الأسبوعي أو حتى السنوي.
كمَن اعتاد أن يتصدّق يوميًّا ولو بريالٍ واحد، مصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أحبُّ الأعمالِ إلى الله أدوَمُها وإنْ قَلَّ». أو المحافظة على السنن الرواتب، وزيارة والديه كل يوم/ أسبوع حسب ظروفه، وأداء العمرة كل ستة أشهر، وقِسْ على ذلك، وكذلك اعتياد احترام المواعيد، واتباع الإشارات والعلامات المرورية، وتقديم الشكر على أبسط الأمور، وغيرها.
إحدى حسنات «الاعتياد» أنه يساعدك في ترتيب جدولك اليومي والأسبوعي والسنوي كذلك. ومن حسناته أيضًا أن يسهّل الأمر فتضعف مقاومتك تجاهه، كمَن يستثقل الاستيقاظ المبكر أو ممارسة التمارين وغيرها.
وقد يكون الاعتياد مذمومًا ومنه اعتياد النِّعَم، فلا يستشعر الإنسانُ قيمتها وأهميتها، فيتعامى عن شكرها، ويبطر نعمة الله عليه.
أمَا قال قوم سبأ «ربَّنا باعِد بين أسفارِنا»؟ حين اعتادوا المرور آمنين بالقُرى المنتشرة على طريقهم من اليمن إلى الشام؛ مما لا يحتاجون معه حمل الزاد والماء، وأرادوا تجربة مشقّة السفر ووعثاء الطريق.
فكان عقاب الله لهم «ومزَّقناهم كلَّ مُمَزَّق»، ومن الاعتياد المذموم، أنْ نعتاد عطاء الآخرين من حولنا وبَذْلِهم ولين جانبهم وتضحياتهم.
فنغفل مع الوقت عن الامتنان لجميلهم وتقدير صنيعهم وشكرهم، بل واعتباره من واجباتهم، وربما نعاتبهم إذا قصّروا في شيء من ذلك.
وننسى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يشكُرُ اللهَ مَنْ لا يشكر الناسَ».
ومن صور الاعتياد المذموم كذلك ألا نعطي العامل الذي يقدم لنا خدمةً ما، كتعبئة البنزين أو المباشرة علينا في المطعم ونحوها، أي اهتمامٍ وكأنه غير موجود أو غير مرئي.
يقول ريجيس دوبريه: «ما يُرى بشكلٍ دائمٍ، يُلاحَظ بشكلٍ أقلّ».!
في يومٍ من الأيام، كنتُ مع أحد الأصدقاء في مطعم، فجاء النادل وقد كان يرتدي ساعةً جميلة، فأبديت له إعجابي بذوقه الرفيع في اختيارها.
ولكم أن تتخيَّلوا حجم فرحته وابتسامته العريضة التي ارتسمت على وجهه طوال تلك الليلة.
في كتابه «لو كان بإمكاني إخبارك شيئًا واحدًا»، ينقل ريتشارد ريد عن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قوله: «لقد توصّلت إلى قناعة بأن أحد أهم الأشياء هو رؤية الناس.. رؤية الشخص الذي يفتح لك الباب، والشخص الذي يصب لك القهوة».
أحد مفاتيح التأثير للقادة هي ملاحظة الناس من حولهم، لا سيما البسطاء منهم، والحذر من اعتياد وجودهم وخدماتهم، وسيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالشواهد.