* تحمل كتبي عن المياه تطلعات مسؤولة عن قضية المياه التي آمنت بها كمنهج حياة. تحمل حزمًا من تشخيص المشاكل، وتحديد الاحتياجات، وطرح التوصيات النافعة، وفق حقائق الواقع البيئي والجغرافي والجيولوجي لبلادنا «يحفظها الله».
ولست هنا بحاجة لإعادة تدوير المعلومات، لكن من المفيد التذكير ببعض نقاط عمّقت في شخصي قضية الماء خلال العقود الماضية. أذكرها كدرس، وعبرة، وتحفيز، وتذكير لصالح مصالح أجيالنا القادمة في مياهنا الجوفية الإستراتيجية.
* أولًا: تم تجاوز خطوط الحقائق العلمية الحمراء المتعلقة بوضع المياه الحرج في المملكة. لم تكن هناك خطة زراعية تراعي حقائق المياه. لكن كان هناك اندفاع في التوسع الزراعي الأفقي رغم المحاذير، وكان هناك أيضا توسع بشكل عشوائي، وارتجالي على حساب المياه الجوفية الثمينة التي لا تتجدد.
* ثانيًا: تم تجاوز محاذير الاستنزاف بشكل عشوائي وغير عقلاني. هذا النوع من المياه متوافر في التكوينات الجيولوجية العميقة. مياه جوفية غير متجددة. أي لا يمكن تعويضها في ظل الحقائق البيئية القائمة. مياه تتواجد بكميات محدودة في تكوينات جيولوجية مختلفة، تقع على أعماق مختلفة وتحت ضغط هائل. تُعتبر الصخور الرسوبية الوعاء الحامل لها. تُغطّي هذه الصخور ثلثي مساحة المملكة. تقدّر بحوالي (1.366) مليون كيلو متر مربع؛ حيث تركّزت التّوسعات الزراعية العشوائية على مساحتها بشكل جائر.
* يجب معرفة أن الأمر لا يتوقف على مقدار حجم هذه المياه الجوفية وكميتها، فهي مياه محدودة مهما بلغ حجمها. إن الأمر يتوقف على مدى مقدار السحب من جسم هذه المياه، حيث تتناقص باستنزافها. الأمر الجلل أن يكون الاستنزاف غير مدروس. هذا يعجّل بنضوبها وهبوط مناسيبها بشكل حاد ومقلق. كان يجب أن يكون عطاؤها مستدامًا، وفقا لحسابات تضمن حقوق الأجيال القادمة في هذه المياه الجوفية الثمينة.
* ثالثًا: تم تجاوز محاذير استنزاف المياه المتجددة أيضًا وبشكل عشوائي وغير عقلاني، في مناطق الدرع العربي. يشكّل ثلث مساحة المملكة «يحفظها الله»، حيث تقدّر بحوالي (0.683) مليون كيلو متر مربع. هذا النّوع من المياه هو تجمّع مياه مواسم الأمطار تحت سطح التربة. فأصبحت مياهًا محصورة ومخزونة بشكل طبيعي في الطبقة العلوية من سطح الأرض، بعمق لا يزيد على (50) مترًا. وتقع تحت الضغط الجوي المباشر. وأثبتت الأبحاث والتقارير العالمية العلمية أن السحب من هذه المياه يفوق التعويض بعشر مرات. ليس هذا فقط، لكن هناك أبحاثًا وتقارير تفيد بأن حوالي (98) بالمائة من مياه الأمطار في العالم العربي كانت تضيع عن طريق البخر.
* تفعيل احترام حقيقة ندرة المياه، وحقيقة كمياتها المحدودة، كان الشغل الشاغل لشخصي منذ أكثر من ثلاثة عقود. سيظل كذلك.. كمسؤولية تجاه وطني، وهذا شرف لشخصي. تركزت دعوتي في الحث على توفير هذا النوع من المياه والحفاظ عليها، بترشيد استخدامها وتنميتها. ذلك من منطلق أننا لم نرث الأرض، ولكننا مستأمنون عليها. هذا جزء من مسؤولياتنا الوطنية تجاه الأجيال القادمة.
* إن استنزاف هذه المياه المحدودة والنادرة، بشقيّها المتجدد وغير المتجدد في زمن قياسي وبشكل عشوائي أشبه بالافتراس، وهذا يهدد مستقبل الأجيال القادمة بالعطش. كما أشارت إليها معلومات جميع كتبي التي أنجزتها خلال هذه العقود عن المياه، وكذلك واقع المياه الحالي.
* طالبت ودعوت خلال العقود الماضية، بضرورة الرفع من شأن المياه الجوفية، وأهميتها، وقيمتها، ودورها. دعوت بأن تكون محور أي تنمية في بلدنا سقاها الله. من منطلق أن هذه المياه قابلة للنضوب. الأمر الذي يشكل خطورة على أجيال المستقبل.
* من المهم التأكيد بأن سبب ندرة المياه، يعود إلى غياب مصادرها المتجددة الطبيعية؛ حيث تنحصر في الأمطار. ماذا تعني هذه الحقيقة؟ ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH