- لعلَ انتقاء أجودَ إجابة في لحظةٍ خاطفة يبدو سهلاً وصعباً في آنٍ واحد وبالأخص حين يحتمل ذاكَ السؤال أكثر من إجابة ، حين سألني أحدهم في حوارٍ صحفي عن السبب الحقيقي و الرئيس الذي يدفعني للكتابة ؟ وهو سؤالٌ اعتدت سماعهُ في كُل مرة يجري أحدهم حواراً معي و قد كانت إجابتي له بكُل اختصار وشفافية بأنني أكتب لأتنفس ، أكتب لأحيا ، و لتعيش كلماتي على قيدِ هذهِ الحياة عوضاً عن دفنها قسراً وهي حية ، ولكنني و بعدَ أن انتهيتُ من حواري هذا ، أعدتُ استجواب ذاتي شخصياً في تِلكَ الليلة عن سببٍ آخر قد يحملني للكتابة ويجعلني أسبح في أثيرها الشاسع ! لعلي أستخرج إجابةً أخرى شافية ، ثُم مضت الساعات هكذا لم أحسبها و أنا سارحة في دوامةِ تساؤلاتي .
هل تكون الكتابة مجرد هواية ؟ أم أنها سلوكاً روتينياً ؟ أم أنها حالةٌ من حالات الحُب الغريزي ؟ أم أنها هروبٌ من الواقع إلى خيالٍ يكونُ بهِ الكاتب أكثرَ حريةً و أُلفةً في عالمٍ يطرزُ به ما يشاءُ من الأحداث والشخصيات ؟ أم أنها تعبيرٌ عن حالةٍ شعورية يستريحُ من خلالها عقلهُ وقلبه من تكدس ما يشعرُ به ؟؟ أم أنها تبدو بمثابةِ الأقراص المُسكنة لحظة الوجعِ والألم ؟
- يقول الروائي المغربي الطاهر بن جلون : (أكتب لأنني احب ممارسة الكتابة ، وأحب أن اكتب بصراحة وبكل احساسي ، الكتابة بالنسبة لي ممارسة يومية ولا اعتبرها عملا شقيا بل اعتبرها واجباً قومياً.. أقوم به بكل شغف)، و يقول الشاعر العراقي الكبير عبدالوهاب البياتي: (اكتبُ كي لا أموت، اكتب كي أستطيع مقاومة الموت وهذا يعني الكثير) ، أما الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي فتقول: (أحتاج أن أروي قصة، إنه هاجس فكل قصةٍ هي بذرة في داخلي، تبدأ في النمو والنمو حتى تصبح كالجنين، ويجب عليّ أن أتعامل معها عاجلاً أو آجلاً) ، بدت لي الكتابة من كُل ذلكَ وكأنها رغبةٌ ملحة في ذاتِ الكاتب الدفينة تراودهُ ليقومَ بتحريرها والتخلص من قيدها ، أو كأنها تنفيسٌ عن إحساسٍ خانق يقبضُ خلاياهُ الفكرية يجعلهُ يستنشق بعدها الهواء الجيد الذي يعيدهُ للواقع ، أو كأنها نوعٌ من أنواع التنزه بينَ تفاصيلِ أحاسيسنا ومواقفنا الحياتية ، فحياة المرء عامرة بالأحداث والمواقف التي يودُ إسقاطها من عقلهِ وقلبه على هيئة كلمات.
- لنتفق إذن بأن الكتابةُ فنٌ صامت لا صوت له كالضوءٌ الذي نلتمس من خلاله النور في عُتمة الجهل ، والطريق الذي من خلالهِ نصل إلى واحة الراحة وننعم بدفء الذكرى التي نسطرها في دفاترِ الأيام لِنعودَ لها حِين نتوق لذلك .
ومضة :
الكتابة حياة والكلام موت، فصوتي قد يضيع ، ولكن حرفي خالد للأبد .
@al_muzahem