د. محمد حامد الغامدي

المياه الجوفية المحدودة وغير المتجددة، مصطلح يعني أن هذه المياه متوفرة في باطن الأرض. تجمعت منذ العصور المطيرة من آلاف السنين، الأمطار الحالية غير كافية لتغذيتها، هي مياه مطر عذبه مخزونة على أعماق تتراوح بين (50 إلى أكثر من 2000متر) في طبقات مختلفة معروفة، ما يميز هذه المياه أنها تقع تحت ضغط عالي في مسام الصخور الرسوبية، وكهوفها، وتشققاتها. نستخرجها بحفر الآبار الارتوازية، إن هذه المياه تضاعف مسئولياتنا تجاه الوطن والأجيال القادمة، هذا يعني إعداد أنفسنا وتهيئتها بحكمة ومسئولية، لمواجهة زيادة الطلب على الماء، هناك زيادة مستمرة في عدد السكان، هناك متطلبات التوسعات الزراعية الأفقية والرأسية، هناك أيضا متطلبات التنمية الأخرى.

إن التعامل مع حقائق المياه بحكمة ودراية جزء من الحل، وقف التجاوزات وتجريم تجاهل خطوط التحذيرات الحمراء، جزء من الحل، وقد تضمنته كتبي عن المياه، بلغت حتى الآن (11) كتابا وهناك المزيد بعون الله، كتبي هذه أشبه بوثائق لمرافعاتي خلال العقود الماضية لصالح أجيالنا القادمة، وقد وضعت هذا العنوان: (الماء وطن) لأحد كتبي، كرسالة دائمة التذكير بأهمية هذه المياه في بلادنا حفظها الله وقادتها، رسالة هذا العنوان الكبسولة تهدف إلى تسهيل فهم معنى وأبعاد أن يكون الماء وطن، العنوان يختصر كل رأي، ويترك للجميع الإبحار في مسئولياته الجسام، جعلته عنوانا يوحي ويقول بكل ما ذهبت إليه في مرافعاتي دفاعا عن هذه المياه المهمة، مرافعات تمثل مسيرة كفاح بدأت من ثمانينيات القرن الماضي، بهذه الكتب ستظل شروحات أهدافها قائمة.

الماء وطن.. عنوان يحمل في طيات أبعاده مسئولية وطن في ظل ندرة الماء ومحدوديته وزيادة الطلب عليه، أن نتذكر أن (الماء وطن) لنعرف قيمة الماء بجانب قيمة الوطن. لم نرث هذه المياه لكننا مستأمنين عليها لصالح الذين لم يولدوا بعد. إن ما يزيد ويعظم القلق المشروع على المياه الجوفية هو أن للأجيال القادمة مصالح عظمى في هذه المياه.

نعرف أن لكل بداية نهاية، ولكل مشوار هدف، ولكل تطلع غاية، ولكل عمل نتيجة، من أجل هذه الحقائق الفلسفية، وثقت أهدافي وتطلعاتي وأعمالي في كتب لتكون مستدامة النفع. تذكر بأهمية هذه المياه الجوفية. لتظل في متناول يد كل مهتم وغيور، أيا كان موقع مسؤوليته. الغاية خدمة أجيالنا القادمة التي لم تولد بعد ومصالحها.

n مبعث دفاعي عن هذه المياه الجوفية ليس منهج (التشاؤم)، يوظفه البعض جهلا وسوء إدراك وفهم وتقدير، التعامل مع الحقائق ومؤشراتها ليس تشاؤما، لكنه حكمة ومسؤولية علمية. بجانب كونه أحد روافد احترام النعمة، يقول رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: « لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جار». أيضا قول الله سبحانه وتعالى: [ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة 195.

هل يجوز لنا أن نستنزف مياهنا الجوفية بشكل جائر ونقول: (لنتوكل على الله) أو (عند الله خير كثير)؟ هذا من الجهل إن فعلنا، وعندها سنصبح أعداء أنفسنا. [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ] النحل 118. علينا العمل ثم التوكل.

هل استوفى موضوع حديثي عن المياه حقه خلال العقود الماضية؟ أطرح هذا السؤال على نفسي، فأقول: لا، ويجب أن يظل الحديث عن المياه مستداما كمنهج حياة وثقافة مستدامة بين أفراد المجتمع، أدعو لأهميته فرضه بالقانون، وجعله مبدأ كثقافة في جميع المناهج التعليمية.

البعض لم يستوعب خطورة ندرة المياه على أجيالنا القادمة في ظل الطلب المتزايد عليها سنة بعد أخرى، مرافعات وثقتها في كتبي، وبفخر، لتبقى استدامة تحفيزها شهادة لصالح هذه المياه، أيضا ليبقى تحذيرها ونذيرها، والتذكير بأهميتها، إنها مسئولية وطن.. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH