د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

لماذا الدفاع عن المياه الجوفية؟ نعرف جميعا بأن الماء أكبر وأعظم أهمية من أي شيء آخر في حياتنا، تتعاظم أهميته في ظل ندرته في بلادنا حفظها الله، الماء يجسد حقيقة الحياة، في غيابه تغيب الحياة عن الأرض،هل هناك حضارة إنسانية بدون ماء؟ هل هناك تجمعات سُكّانية بدون ماء؟ إن الحياة رديفة الماء، كما أن الماء رديف الحياة، الحياة تظهر مع الماء بجميع أشكالها المختلفة، تلازم الحياة والماء يعني البقاء، إن فقد الحياة لا يعني فقد الماء، لكن فقد الماء يعني فقد الحياة، كنتيجة استمريت في الدفاع عن المياه الجوفية خلال العقود الأربعة الماضية.

إذا جف الماء ينقشع البشر من المكان بحثاً عن أرض أخرى تحمله، انتماء البشر دوما للأرض الغنية بالمياه العذبة، عشق الأرض والتمسك بها والعيش على أديمها يتحقق من خلال قدرتها على تقديم الماء العذب.

أثبتت الحقائق أن مواردنا المائية محدودة ونادرة، هذا تحدٍ استثنائي في بلدي الواسع المساحة (2.15 مليون كيلومتر مربع)، المياه الجوفية مصدر لأكثر من (85) بالمائة من احتياجاتنا المائية العذبة لجميع القطاعات (السكنية والزراعية والصناعية، وأيضا البيئية).

في سبيل الدفاع عن المياه الجوفية، وجدت الكتابة أفضل وسيلة أمامي للتفكير في استدامة الماء وخدمته ونشر الوعي بأهميته، كل فكرة تقود لأخرى، كل حماس يقود لآخر، وجدت الكتابة الأداة الأهم، تجعل الإنسان متقد الفكر، حاضر التفكير، ومتجدد الإرادة حول أي قضية، الكتابة تقود إلى ابداعات العقل، وتميزه في الإنجاز، والأداء المتقن، الكتابة تجعل العقل أشبه بشجرة تثمر سنويا، بعطاء جديد، رغم أن الثمر واحد، كنتيجة كان عنوان أحد كتبي: الماء وطن. هكذا رأيت شخصي مع الكتابة عن الماء. عقود من عطاء دفق الكتابة القوي. كنتيجة استمريت في الدفاع عن المياه الجوفية.

إن تشبعي بقضية المياه، فجّر الرّوى والأفكار، متدفقة لا تتوقف، زخم أعطى قوة استمرار الكفاح عنها طوال عقود مضت، تميزت بالدقة، والمصداقية، وشجاعة الطرح وشفافيته، أثارت الكثير من الدهشة، والقلق، والتساؤلات، والاهتمام، وجدل الصدمة، في أول كتبي عن الماء بعنوان: الماء يبحث عن إدارة، قلت: البعض لا يذرف الدمع لأنه لا يرى المستقبل.. وتلك كانت آخر جملة وردت في الكتاب.

n بعد عقود من تحذيرات أطلقتها وجهد بذلته، حصدنا واقعا تجاوز حدود التحذيرات بمراحل.. تحقق ما كنت أحذر منه.. فقدنا المياه الجوفية على زراعات عشوائية توقفت. استنزفنا عليها من المخزون الاستراتيجي المحدود، خلال أقل من عقدين أكثر من (700) مليار متر مكعب. كمية تعادل ما تنتجه محطات التحلية حاليا لمدة قرن ونصف. كنتيجة استمريت في الدفاع عن المياه الجوفية.

إن مهمتي العلمية منصبّة على قراءة المؤشرات، وتشخيص المشاكل، وتحديد الاحتياجات، وتقديم الرؤى والأفكار، ومتطلبات الاحتياجات. هذا ما فعلت. كنتيجة استمريت في الدفاع عن المياه الجوفية.

تتأكد خطورة ومحاذير استمرار الاستنزاف الجائر من المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية بسبب الزراعات العشوائية سنة بعد أخرى، هذا أمر مُخل بالأمن المائي والأمن الغذائي لأجيالنا القادمة، إن مؤشرات النضوب ما زالت قائمة وتتفاقم، الدفاع عن المياه الجوفية مسؤولية كل فرد، لكنه لشخصي أيضا عبادة، أطلب الله لي ولكم، العون.