@SaudAlgosaibiسعود القصيبي

- لا أحد يعلم اين بالضبط تقع مدينة الجرهاء وهي في عداد المدن المفقودة التي اشتهرت بغناها اللامعقول في بداية القرن الثالث قبل الميلاد، جاء ذلك بأسباب اتساع تجارتها باللبان والبخور والتمور والمرّ، وغيرها وإلى بابل والبتراء، وفي كتابات بعض المؤرخين الإغريق كانت أغنى المدن العربية، ومن الاوصاف الأخرى لها ان بناها كان بالملح ومن غناها ان منازلهم كانت باهظة التكلفة طُعمت أبوابها وأسقفها بالعاج والذهب والفضة الى غيرها من اوصاف، والتي تبدو كما الأسطورة اكثر منها من الواقع.

- وبأسباب انها لم تخضع لسلطة اوسيادة الإسكندر المقدوني، أرادها له بعد انتصاراته الحربية والتي اذهلت العالم القديم، كما انه لم يقف اويتوقف بحروبه، فقد اعد للجهراء اسطولاً بحرياً لغزوها ناقلاً المراكب الخشبية مفككة من اليونان والى العراق، منشئاً ميناءً خاصاً لاحتواء اعداد السفن الكثيرة وإعادة تركيبها، هذه العمليات الباهظة التكاليف التي قام بها الاسكندر تعد مؤشر لما كان يتوقع من غنائم عند احتلالها، وهي إشارة لما كتب لاحقا عنها، وكان يريد الوصول بسفنه الى الجرهاء ومصدر اللبان والمر، أي انه كان مخططاً ان يحتل الساحل الشرقي للجزيرة العربية وعمان واليمن بحملته هذه، وكان يمكنه اعد جيش بري من العراق ان أراد التوقف عند الجرهاء، الا ان نواياه كانت أعظم من ذلك باحتلال الجزيرة العربية والالتفاف عبر بحر العرب ليصل الى مصر والتي كانت أحد ممالكة عبر البحر الأحمر، فمدينة الجهراء كانت نقطة البداية لتلك الحملة العسكرية.

- ولا زال الباحثون والتاريخيون وكذلك المختصين بعلوم الآثار يسعون الى معرفة مكانها والاجتهادات كثيرة عن موضعها ولكن كلها باءت بالفشل، بأسباب ان لا وجود واضح لمدينة تحمل ذات الصفات كما وردت في المخطوطات اليونانية، فالجهراء كما وصفت تجابه جزيرة تايلوس، البحرين اليوم، كما ذكر من وجود مدينة أخرى مقابلها من جهة الساحل تابعه لها، ويجتهد البعض بالقول انها ما بين شمالا الراكة في مدينة الخبر لوقوعها قبالة راس جزيرة البحرين على التقريب والى ميناء العقير المقابل للأحساء وهناك من قال ان موقعها من تاروت الى الجبيل وكذلك اننها مدينة برية عكس اقوال الاغريق مشيرين انها مدينة ثاج بالغرب من الجبيل وذلك لكبرها وغناها في الأزمنة القديمة، مشيرين بأبحاثهم للذهب الجنائزي المكتشف مع ما أطلق علية بأميرة ثاج.

- ولقلة اعمال التنقيب الاثري بشكل عام بالمنطقة، ناهيك ان أكثر من حاول إيجاد موضعها كان من العلماء الغربيين الذي كان اغلبهم يقوم بزيارات خاطفة وسريعة للمناطق المحتملة المختلفة او مجتهدين بموقعها من خلال الأبحاث والنشرات السابقة، ولا زالت الأبحاث العلمية قائمة والى وقتنا الحاضر الا ان هذه المرة من باحثين سعوديين معاصرين وكل حسب اجتهاده.

- أورد الباحثون تحديدا عدد من المواضع المحتملة للجهراء منها ما جاء في القطيف والاحساء، والعقير، وثاج التي تكلمنا عنها سابقا وراس قرية، الا ان العقير هو ميناء حديث تاريخياً، كذلك ان من خلال ما ورد بالمسوحات الاثرية القديمة ان ما اكتشف بتلك المنطقة هو لآثار إسلامية، بالإضافة ان الاخريات مما ذكر من المدن لا يجابه جزيرة البحرين ان تحرينا الدقة في المعلومات الجغرافية التي أوردها الاغريق عن موقعها، الا ان الأخيرة الممثلة براس قرية نجدها أكثر احتملا بوجهة نظرنا والله اعلم لوجود الكثير من المواقع الاثرية المكتشفة بالغرب منها والى أكثر من 40 كيلومتر، وقد ذكر الإغريق من وجود مدينة بالمقابل منها بالغرب بمسافة 30 ميلا, مما يضع شمال الاحساء كمؤشر على وجود ثاج المفقودة في راس القرية، كذلك بالإضافة قرب موقع راس قرية من سبخات الملح المطلوبة للبناء وقد أشار الاغريق من ان مبانيها كانت تبنى بالملح كما ذكرنا في اول المقال، وان نظرنا الى التتابع الحضري لتلك المنطقة حيث اكتشف فيها من أقدم المواقع لأول حضارة عرفها الانسان وهي الحضارة العبيدية الموجودة بموقع عين قناص الاثري بالعيون والتي هي في ذات الامتداد من جهة الغرب.

- أقول في الختام ان المزيد من التنقيبات الاثرية والتقارير العلمية عن المواقع المختلفة ومنها موقع راس القرية الاثري لسوف تعطينا دلالة اكيده عن موضعها الأصلي او كذلك من اكتشافات جديدة لمواقع اثرية في غيرها من مواقع ساحلية.