اليوم: د. نورهان عباس

واجهت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلسلة من صدمات الاقتصاد الكلي العالمية منذ عام 2020، وفق ما ذكر البنك الدولي على موقعه. وأصدر البنك مذكرة بحثية له عن المنطقة اعتبر فبها أن هناك أثر لصدمات الاقتصاد الكلي من حيث فقدان الوظائف وتدهور الأحوال المعيشية على شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على المفاضلات التي تواجهها الاقتصادات خلال فترات الركود التي تقلل الطلب على العمالة.

خفض توقعات النمو

من المرجح أن يكون عام 2023 عاما آخر في بيئة عالمية متغيرة تعمل مرة أخرى على خفض توقعات النمو. ويتوقع خبراء الاقتصاد في البنك الدولي أن يتباطأ النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل حاد إلى 1.9% في عام 2023 بعد نموه بنسبة 6% في عام 2022 مدفوعا في ذلك بقوة اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.

ونظرا للظروف العالمية، فلن تحقق الاقتصادات المصدرة للنفط نفس نمو العام السابق في عام 2023 وذلك في وقت تعاني فيه البلدان المستوردة للنفط المثقلة بالديون من آثار تشديد الأوضاع المالية العالمية.

انخفاض اجمالي نصيب الفرد

من المتوقع أن ينخفض نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة إلى 0.4% من 4.3% في عام 2022. وبينما ينحسر التضخم بين اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان النامية المصدرة للنفط، فإن انخفاضات أسعار الصرف تستمر في تغذية الضغوط التضخمية بين البلدان النامية المستوردة للنفط.

ارتفاع معدل البطالة

يقول تقرير البنك في ضوء مذكرته البحثية، أنه بسبب فترات الركود الاقتصادي فإن ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة يبلغ حوالي ضعف نظيره في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأخرى.

ويقدر التقرير أن صدمات الاقتصاد الكلي في الفترة 2020-2022 أدت إلى أن يصبح 5.1 مليون فرد إضافي عاطلين عن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو أعلى من المعدلات المرتفعة بالفعل التي شهدتها دول المنطقة حتى قبل ظهور فيروس كورونا.

والأهم من ذلك، أن هذه الصدمات الاقتصادية الكلية المؤقتة يمكن أن يكون لها آثار طويلة الأمد على القوى العاملة في المنطقة، وهو ما يمكن أن ينعكس في ارتفاع معدلات البطالة الطويلة الأجل والعمل غير الرسمي.

أكد التقرير أن أياً من النتيجتين غير مرغوب فيهما ويمكن أن يكون لتآكل الدخل الحقيقي آثار وخيمة من حيث مستويات المعيشة وعدم المساواة.

الاقتصاد العالمي فقد زخمه

يأتي ذلك فيما حذر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء من أن الاقتصاد العالمي فقد زخمه بسبب تأثير ارتفاع أسعار الفائدة وحرب أوكرانيا واتساع الخلافات السياسية، ويواجه الآن حالة جديدة من عدم اليقين بسبب الحرب بين إسرائيل ومسلحي حماس، وفق ما أوردت شبكة إيه بي سي نيوز الأمريكية.

تراجع النمو

وقال صندوق النقد الدولي إنه يتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.9% في 2024 من 3% متوقعة هذا العام. ويظهر ذلك أن التوقعات للعام المقبل ستكون أقل من 3٪ التي تم التنبأ بها في يوليو.

تداعيات الحرب على غزة

ويأتي هذا التباطؤ في وقت لم يتعاف فيه العالم بعد من الركود المدمر الناجم عن كوفيد-19 في عام 2020، ويمكن أن تمثل تداعيات الصراع في الشرق الأوسط زخما إضافيا في هذا الجانب وبخاصة على أسعار النفط.

خفض الناتج العالمي

وأدت سلسلة من الصدمات السابقة بما في ذلك الوباء والحرب الروسية في أوكرانيا إلى خفض الناتج الاقتصادي العالمي بنحو 3.7 تريليون دولار على مدى السنوات الثلاث الماضية مقارنة باتجاهات ما قبل كوفيد-19. وقال بيير أوليفييه جورينشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحفي خلال الاجتماع السنوي للمنظمة في مراكش بالمغرب: إن الاقتصاد العالمي يسير بخطى سريعة ولا يركض بسرعة. وتخفض توقعات صندوق النقد الدولي النمو بنسبة 3% هذا العام من 3.5% في عام 2022 ولكنها لم تتغير عن توقعاته في يوليو. لكن من السابق لأوانه تقييم الحرب على أسواق النفط.

وقال جورينشاس إنه من السابق لأوانه تقييم تأثير الحرب المستمرة منذ أيام بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في غزة على النمو الاقتصادي العالمي. وذكر أن صندوق النقد الدولي يراقب الوضع عن كثب وأشار إلى أن أسعار النفط ارتفعت بنحو 4٪ في الأيام القليلة الماضية، وأن هذا يعكس بالطبع الخطر المحتمل المتمثل في احتمال حدوث خلل في إنتاج النفط أو نقله في المنطقة.

وأضاف: لكن مرة أخرى، أؤكد أنه من السابق لأوانه القفز إلى أي نتيجة. وقال كارستن فريتش، محلل السلع الأولية في كومرتس بنك، إن الزيادة في أسعار النفط حتى الآن كانت ضعيفة إلى حد ما.

مرونة الاقتصاد العالمي

وذكر جورينشاس إن الاقتصاد العالمي أظهر حتى الآن مرونة، في وقت رفع فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وغيره من البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم أسعار الفائدة بقوة لمكافحة عودة التضخم إلى الارتفاع. وساعدت الزيادات في تخفيف ضغوط الأسعار دون أن تتسبب في توقف الكثير من الناس عن العمل ما يجعل هذا المزيج يتسق على نحو متزايد مع ما يسمى الهبوط الناعم وفكرة إمكانية احتواء التضخم دون التسبب في الركود.

انخفاض أسعار المستهلك

ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض تضخم أسعار المستهلك العالمي من 8.7% في عام 2022 إلى 6.9% هذا العام و5.8% في عام 2024.

أمريكا

رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو في الولايات المتحدة هذا العام إلى 2.1% (مطابقة لعام 2022) و1.5% في عام 2024 (ارتفاع حاد عن نسبة 1% التي توقعها في يوليو).

ولم تتضرر الولايات المتحدة، وهي دولة مصدرة للطاقة بقدر ما تضررت بلدان في أوروبا وأماكن أخرى من ارتفاع أسعار النفط التي ارتفعت بعد تدخل روسيا في أوكرانيا في العام الماضي.

أوروبا

وتبدو الأمور أكثر كآبة في البلدان العشرين التي تشترك في عملة اليورو والأكثر تعرضاً لارتفاع أسعار الطاقة.

وخفض صندوق النقد الدولي تصنيف نمو منطقة اليورو إلى 0.7% هذا العام و1.2% في عام 2024.

ويتوقع أن ينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.5% هذا العام قبل أن يتعافى إلى نمو بنسبة 0.9% في العام المقبل.

روسيا

وهذا أقل حتى من الاقتصاد الروسي، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو بنسبة 2.2% هذا العام قبل أن ينخفض إلى 1.1% العام المقبل.

الصين

ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 5% هذا العام و4.2% في عام 2024 وكلاهما أقل مما توقعه صندوق النقد الدولي في يوليو.

كان من المتوقع أن ينتعش الاقتصاد الصيني هذا العام بعد أن أنهت الحكومة عمليات الإغلاق الصارمة التي أعاقت النمو في عام 2022 لكن البلاد تعاني من مشاكل في سوق الإسكان.

قيود التجارة

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن البلدان فرضت العام الماضي ما يقرب من 3000 قيود جديدة على التجارة، ارتفاعًا من أقل من 1000 في عام 2019. ويتوقع نمو التجارة الدولية بنسبة 0.9٪ فقط هذا العام و 3.5٪ في عام 2024 بانخفاض حاد عن المتوسط السنوي للفترة 2000-2019 البالغ 4.9%.