@LamaAlghalayiniلمي الغلاييني

- تعتبر الكثير من المدارس الروحية بأن هاجس البحث المحموم عن السعادة فكرة خطيرة، و مفهوم وهمي بعيد المنال مثل الكمال، و بالرغم من أنه يساعد على تهدئنا وقيادتنا إلى الاعتقاد بأن الحياة ممتعة ومليئة بالابتسامات و وعود الراحة، لكنه في الوقت نفسه لا يؤدي إلى النمو والتطور ولا الحصول على المعنى الأعمق أو السلام الداخلي، بل يقف أحيانا عائقاً في طريق تحقيقهم، بإجبارنا على مقارنة حياتنا بالآخرين باستخدام ما نراه من ظواهر خارجية فقط وعادة ما نرى لقطات مجتزأة من المشهد، و وجها واحدا من وجهي العملة، و لهذا فإن مقولة أننا نريد أن نكون سعداء هي عبارة سطحية و ضبابية.

- وإذا جعلنا هدفنا الوحيد هو أن نكون سعداء، سنجد أنفسنا خاوين من المعنى وضائعين عن سكة الصواب، ومن الأصدق أن نسعى من أجل حياة مليئة بالمعنى والنمو والتطور نحو الكمال، و كمزيد من التأمل فإن ما يحفّزنا إلى التغيير والتطور هو تجارب الألم أو تجاوز منطقة الراحة، فهذا ما يقودنا في نهاية المطاف إلى المغزى الكامن في الحياة، والخروج من نطاقنا الضيق لاختبار عوالم أو تجارب أو طرق جديدة لم نجرؤ على القيام بها قبل لولا وجود هذا الدافع المحفز، و هذا لا يعني أن نعيش حياتنا مكتئبين، أو حزينين.

- بل المقصود هو تجاوز وهم التوقعات الغير واقعية لمعاني السعادة ، التي تضعف مناعتنا و تجعلنا مشلولين وعاجزين عن المقاومة ، وأن نفهم بأن هذه الانتكاسات أمور لا مفرّ منها في حياتنا، وأن نكون واقعيين بما يكفي لقبولها كجزء من رحلتنا، فهي المعلم العظيم الذي نتعلم منه بدلاً من أن يكون مجرد شيء نحتاج أن نصبر على تحمله ، فهو الكفة الأخرى من الميزان، ونحتاج له بقدر احتياجنا إلى السعادة، وإذا تمكنا من الحصول على توازن جيد بين الاثنين فسيؤدي ذلك إلى حياة مليئة بالتجارب ذات المغزى، وبدلاً من القول إننا نريد أن نكون سعداء، دعنا نقول إننا نريد أن نكون متكاملين وملتزمين باحتواء كل جانب من جوانب كياناتنا، فأحياناً يكون الألم مفيداً، فحين تتحمل الأمهات آلام الولادة، ويتحمل المتسابقون آلام التدريب للفوز بميدالياتهم، كما يتحمل روّاد الأعمال آلام المخاطر والغموض وعدم اليقين للحصول على فرصة نجاح لمشاريعهم، فاللذة والألم متشابكان بشكل وثيق، و كثيرا ما يكون الألم دليلاً إلى مستويات أعلى من النضج الروحي، فالتجارب الممتعة ضرورية ولكنها ليست كافية لإنتاج السعادة، و نحتاج إلى نهج أكثر شجاعة للعيش، والتعامل بحكمة مع تجاربنا السلبية، و لمواجهة الشعور بالألم بذكاء، ونعني بكلمة الألم كل الأشياء التي لا تشمل الملذات، كالقلق و العزلة، والفشل، وتفكك العلاقات، وغيره.

- و تحاول النظريات الحالية في علم النفس والأنثروبولوجيا التوعية بدور الألم والمعاناة في تطور الجنس البشري، و أنهما ليسا معاديين للسعادة، بل هما ضروريان للشعور بها، فتجاربنا المؤلمة هي التي تجعلنا بشراً مع الآخرين، وتؤسس لبناء تفكيرنا ورسم أهدافنا، وقوة اندفاعنا للقضاء على الألم، ففي كثير من لحظات اليأس الحالكة يشع النور والجمال بوضوح وكثافة ماكانت لتظهر لولاه .