اليوم: د. نورهان عباس

يبالغ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) في سياسته النقدية المتشددة، حيث رفع أسعار الفائدة الأمريكية منذ عام 2022 أكثر من عشر مرات، وهو أمر غير الصحي على الإطلاق اقتصاديًا للعالم، وفق ما ذكر محللون في حوار مع مجلة ذا ناشيونال إنترست الأمريكية.

الإتجاه إلى ركود عالمي

لفتت مجلة إنتريست إلى أن قرارات الفيدالي تهدد بأزمة عميقة وتمهد الطريق للركود العالمي. وقال المحلل ديزموند لاكمان أنه من بين نقاط الضعف الأكثر فظاعة التي يعاني منها الاحتياطي الفيدرالي بقيادة رئيسه جيروم باول هو فشله في الاستجابة للظروف المتغيرة. في العام الماضي، ساهم هذا الضعف في ارتفاع التضخم الرئيسي إلى أعلى مستوى له منذ عدة عقود بنسبة 9 في المائة. والآن، يهدد هذا الضعف بالتسبب في هبوط اقتصادي حاد في العام المقبل 2024.

في مارس 2021، في الوقت الذي كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يتبع أسهل السياسات النقدية، نجح الرئيس بايدن في تأمين إقرار خطة الإنقاذ الأمريكية بقيمة 1.9 تريليون دولار.

5 تريليون دولار

جاءت هذه الخطة بالإضافة إلى دعم الميزانية من الحزبين العام الماضي بمبلغ 3 تريليون دولار لضمان التعافي من الركود الاقتصادي الناجم عن كوفيد وهذا يعني أنه في غضون عامين، تلقى الاقتصاد دعما تراكميا للميزانية يبلغ نحو 5 تريليون دولار، أو ما يعادل 20% من الناتج المحلي الإجمالي.

أكبر تحفيز

كان هذا أكبر تحفيز لميزانية الولايات المتحدة في وقت السلم على الإطلاق وبينما انتقد وزير الخزانة السابق لاري سامرز ميزانية بايدن باعتبارها أشد الميزانيات عدم مسؤولية في الأربعين عاما الماضية، حافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على صمته.

والأسوأ من ذلك أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة عند الحد الأدنى الصفري وسمح للمعروض النقدي الواسع بالتضخم بنسبة 40 في المائة من بداية عام 2021 إلى نهاية عام 2022.

وقد فعل ذلك مع إصراره على أن القوى التضخمية الناشئة التي تتراكم فوق الاقتصاد كانت ظاهرة عابرة.

وبالمضي قدمًا إلى اليوم، مازال بنك الاحتياطي الفيدرالي منخرطًا في دورة تشديد السياسة النقدية الأكثر شدة منذ عقود.

أسعار الفائدة

وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، تم رفع أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس في نفس الوقت الذي تحول فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي من سياسة التيسير الكمي إلى سياسة التشديد الكمي وفي هذه العملية سمح بنك الاحتياطي الفيدرالي بانخفاض المعروض النقدي الواسع ولم يحدث هذا منذ أن بدأ نشر بيانات العرض النقدي في عام 1959.

الإصرار على أسعار الفائدة المرتفعة

وبعد كل هذا التشديد، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي متمسك بشعار مفاده أن أسعار الفائدة يجب أن تظل مرتفعة لفترة أطول حتى يتمكن من استعادة السيطرة على التضخم وهو يفعل ذلك على الرغم من العلامات الواضحة التي تشير إلى تباطؤ الاقتصاد وعلى الرغم من احتمال أن الآثار الكاملة لدورة التشديد لم تظهر بعد بشكل كامل في الاقتصاد.

أسوأ سيناريو

أما الأسوأ من ذلك، فهو ما يفعله الاحتياطي الفيدرالي على الرغم من عدد من التغييرات الجوهرية التي طرأت على المشهد الاقتصادي والسياسي على مدى الأشهر القليلة الماضية والتي تزيد من فرص حدوث أزمة مالية عالمية.

أزمة مالية عالمية

وحول فرص حدوث أزمة مالية عالمية فمن بين هذه التغييرات الأكثر أهمية عودة حراس سوق السندات والتركيز على حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تعاني من عجز في الميزانية يصل إلى 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، أدى ذلك إلى قفزة كبيرة في عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات وهي مؤشر لأسعار الفائدة العالمية من 4 في المائة إلى 5 في المائة وهو أعلى مستوى لها منذ عام 2007. ووصلت أسعار الفائدة على السيارات إلى 8 في المئة وفي بداية العام الماضي بلغت أسعار الفائدة حوالي 3 في المائة.

وقف سياسة الفيدرالي

وبسبب القفزة في عائدات السندات الطويلة الأجل ينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يتوقف عن التمسك بموقف سياسته النقدية، حيث أن لذلك خطر كبير يهدد في ضوء أسعار الفائدة المرتفعة على الرهن العقاري وقروض السيارات بسحق قطاعي الإسكان والسيارات في الاقتصاد وفق المرجح من أقوال المراقبين.

تباطؤ الاقتصاد العالمي

ومن التغييرات الأخرى والتي يمكن أن تسحب الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير نحو الأسفل ويجب أن تجذب انتباه بنك الاحتياطي الفيدرالي هو تباطؤ الاقتصاد العالمي وتصاعد التوترات السياسية في الشرق الأوسط بحرب للإحتلال على غزة.

ضربة الصين

ويعاني اقتصاد الصين، ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم، من انفجار لفقاعة الإسكان الضخمة وسوق الائتمان في حين يعاني الاقتصاد الألماني الآن من الركود ويحاول التكيف مع صدمة أسعار الطاقة التي أحدثتها روسيا.

ومن ناحية أخرى فإن الحرب العدوانية الإسرائيلية تعمل على التأثير على مجريات الأحداث عالميًا خافضة البورصات الأمريكية والإسرائيلية إلى مستويات دنيا في أول الحرب ثم ارتفاعها بعد ذلك فتقلبها المستمر الآن. وفي ظل الحرب فإن لذلك تأثير على أسعار النفط العالمية برفع سعر البرميل إلى 100 دولار أو أكثر.