محمد الحرز

@MohammedAlHerz3

هناك أسئلة تفرض علي بعض الأحيان إعادة النظر مرة تلو الأخرى في تقييم تجربتك الـشعرية بحذر تام، ودائما ما أواجه بها، من قبيل: كيف وجدت صوتك الـشعري الخاص داخل الحداثة الشعرية خصوصا وأنك منذ الـبدايات ارتبطت بالـتيار السوريالي من خلال رموزه جورج حنين وجويس منصور والشعراء الفرنسيين وكأن هذه الخصوصية لا يمكن الفكاك منها ؟!.

- أول ارتباطي بالحداثة الـشعرية لـم يكن في نسختها التي ارتبطت بالسياب أو البياتي أو بلند الحيدري وغيرهم ضمن »موجة »الحداثيين الستينيين بالـعراق، عدا فاضل الـعزاوي وعبدالقادر الجنابي اللذين قرأت تجربتهما بتمعن وبالخصوص الـعزاوي في إنتاجه الـروائي والـشعري، ولـم يكن كذلـك في نسختها التي ارتبطت بأدونيس وأنسي الحاج والماغوط وجماعة شعر، ولا في نسختها أيضا التي ارتبطت بوجهها السريالي عند أورخان ميسر أو رمسيس يونان أو كامل التلمساني أو جورج حنين الذين لم أطلع على تجاربهم إلّا لاحقا.

- كان نص سعدي يوسف وعباس بيضون هما اللذان دخلت بهما عالم الحداثة على مستوى الـكتابة بينما علـى مستوى التنظير كان روح التمرد والبحث عن الحرية واللغة الجديدة عند أدونيس والتوجه السريالي هما اللذان صنعا تصوري عن الشعر ناهيك عن الترجمة لشعراء مثل سان جان بيرس الـذي قام بها أدونيس أو شاعر مثل غليفك الذي ترجمه شوقي عبد الأمير، والقائمة تطول لـو حاولـت سرد تلـك المرجعيات في بداياتها الأولى.. لكن ما انتبهت له لاحقا بخصوص تجربتي أن التجربة في الـلـغة والـبحث عن الـغريب في الصور الشعرية، والبحث عن الغرائب للتعبير عنها من خلال هذه الـصور سيؤدي إلـى العزلة عن الإنسان نفسه وعن الـواقع وعن الحياة برمتها، لـذلـك في لحظة ما من الـكتابة كانت لي انعطافة باتجاه ما هـو إنساني من الـعمق دون الـتخلـي عن الـوضوح في الـفكرة وبساطتها في نفس الوقت كما في ديواني ( قصيدة بمجاز واحد).

في ظل هـذا الـهاجس في البحث عن الـفرادة الصوتية في الـتجربة الـشعرية، والـذي لم يرتبط بي وحدي على العموم، فالـشعراء من جيلـي الـذين ارتبطت بهم كأصدقاء وهم كثر في ساحتنا الـشعرية أغلـبهم سيطر هـذا الـهاجس علـيهم، الأمر الـذي أفضى على ما أظن إلـى أن قصيدتي وغيري من هؤلاء الـشعراء لـم تكن إحدى الخيارات المطروحة أمام الشعراء الجدد إلا ما ندر للتأثر بأصواتنا من العمق.للأسف لم نصل إلى هذا الحد من الـتأثير، ولـم يتحول جيلي إلـى نص أبوي شعري بالمعنى الـذي نصل به إلـى ما يسميه هارولد بلوم (قلق التأثر)، وعلى المستوى الطبيعي هناك من تأثر وخطى لكتابة نص شعري جديد، لـكن لا زال نص الـثبيتي على سبيل المثال نصاً مهيمنا بوصفه نصا حداثياً، لكن تكريس نسخه باعتبارها تجديداً وحداثة هذا وهم كبير، يضاف إلى ذلك، ثمة عودة إلـى ما يسمى بالقصيدة العمودية الجديدة، وهذه العودة مقرونة بشعراء شباب من الجيل الحالـي الـذين في غالـبيتهم لا يرون الشعر ولا يتصورونه سوى صور شعرية جديدة من خلال لغة جزلـة وفخمة فقط، لذلك أجدهم نسخ متكررة لـنموذج واحد، ولـلأسف هـؤلاء هـم المتسيدون في المشهد.

- بالمقابل هـناك شعراء من هـذا الجيل يكتبون الـنص الـشعري بذهنية مختلـفة، وبوعي متجدد، لكنهم قلـة من باب الـتأثير علـى الـسائد، لكن من حيث الانتشار لو قسنا ذلك على مشهد الـعالـم الـعربي فهم بالتأكيد الأكثرية.