د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

استعرض أفكارا لصالح بقاء المدرجات في مناطقنا الجبلـية المطيرة، كمشروع تاريخي ممتد لأكثر من «2000» سنة. أراه أقدم مشروع نظام مائي على وجه الأرض تحافظ علـيه الـبشرية، مشروع حقق مصالح إنسان هـذه المنطقة الـتاريخية جنوب غرب المملـكة، وانتقل منها للعالم، وفق ما يقول به علـماء الاختصاص، منطقة تاريخية تراثية تبحث عن علماء وطن، ومؤلـفين يقدمون لـلـعالـم كنوزها الـتراثية المهارية البيئية.

لمواجهة شح المياه وندرتها.

مشروع إعادة تأهيل المدرجات الـزراعية ينبئ بأهميتها، لـكن لم أتوقع أن يكون نشاطه زراعي بحت، وقد جاء بعد جهود بذلتها خلال العقود الثلاث الماضية لإبراز وظيفة هذه المدرجات وأهمية استدامتها، كان الأفضل والأجدر والأكثر أهمية أن يكون نشاطه متمم لأهداف المشروع الـتاريخي الـذي يحقق هدفين رئيسين، هـما: استدامة صيد مياه الأمطار؛ والمحافظة على استدامة التربة الزراعية.

المدرجات أوعية لـصيد مياه الأمطار، غايتها الـنهائية تغذية المياه الجوفية. أيضا هـي أوعية لعدم جرف التربة، غايتها النهائية حفظ التربة في هـذه الجبال. هذا يعني وقف تصحرها بشكل نهائي.

كل مزيج هذه الأهداف لصالح بقاء إنسان هذه المنطقة الجغرافية.

أن تطغى المشاريع الـزراعية، وتنسينا معضلة استدامة المياه لهذه المشاريع، فذلك يحمل انحراف عن أحد أهم أهداف مشروع المدرجات الـتاريخي الـرئيسية. بفلـسفة مشروع «إعادة تأهيل المدرجات»

الحالـي، انحرفنا عن هـدف تغذية المياه الجوفية، هل يعني أننا نفكر في المال أولا؟ تعددت أنواع الاستثمارات الزراعية بهدف تحقيق ثروة المال.

تفكير غيّب الماء الـذي يحقق المال المستدام. غياب الماء يقضي على استدامة هذه المشاريع الزراعية.

أدعو أن تقوم التنمية، أيا كان نوعها، على محور الماء، أن نغمض الـعيون علـى هـذا المبدأ في بلـدنا الذي تثبت جميع الحقائق بأنه بلد يعاني من شح موارد المياه وندرتها، فهذا يعني كتابة قرار الفشل لكل مشاريعنا الـزراعية علـى المدى الطويل.

يزداد الأمر خطورة في مناطق

المياه الجوفية المتجددة، في حال أصبح استنزاف المياه أكبر من تعويضها. وقد وصلنا هـذه المرحلة من سنين. ويتعقد الأمر البيئي في حال استمرار تهدم المدرجات وجرف تربتها. من خلال زياراتي لمواقع بعض

إنجازات مشروع «إعادة تأهيل المدرجات الـزراعية» ، لاحظت أن معظم المستفيدين هم «المتقاعدين» ، ماذا يعني هذا الأمر؟ يعني أن عمر هذه الإنجازات قصير، لا يتعدى ما تبقى من سنين عمر المتقاعد. وهذه خسارة مالية، وجهد، ووقت. ستعود المدرجات لحالة الإهمال بسبب موت أصحابها. سيكون للورثة رأي آخر في ظل بعدهم عنها.

علـى الجهات المسؤولـة إيجاد مشروع خاص لمدرجات مناطقنا الجبلـية المطيرة بهدف تحقيق استدامة وظيفتها المائية التاريخية لـصالـح الأجيال الـقادمة، وظيفة هذه المدرجات تغذية الخزان الاستراتيجي لـلـمياه الجوفية المتجددة في الـدرع

الـعربي. خزان يغذي حتى المناطق الـداخلـية، مرورا بهضبة نجد وصولا للأحساء علـى الخلـيج الـعربي، هـذا دور هذه المناطق الجبلية المطيرة عبر التاريخ، أدعو أن يظل كذلك لإنقاذ المستقبل من الـعطش، وضحت آلـية هـذا الـدور في كتابي بعنوان:

« بيشة الموقع الاستراتيجي لقياس مستقبل وضع المياه الجوفية في المملكة العربية السعودية »

الـصحيح هـو أن يكون هـناك مشروع لإنقاذ المدرجات وتربتها من الزوال، الصحيح هو المحافظة على المدرجات كمشروع تاريخي لصيد مياه الأمطار وتخزينها في تربتها، الصحيح أن تبقى المدرجات لحماية تربة جبال المناطق المطيرة المحدودة من الجرف والـضياع، الصحيح أن تمتد يد الـوزارة الى كل مدرج قائم ولـيس انتظار من يتقدم لطلب الخدمة.

المدرجات القائمة تراث، نحن لا نملك التراث، لكن تملكه الأجيال، نحن لا نملـك المشاريع الـوطنية الـتاريخية الـتراثية لـكن تملكها الـبيئة، ويستمر الحديث بعنوان آخر.