أ.د.هاني القحطاني

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر... فزعت فيه بآمالي الى الكذب

حتى اذا لم يدع لي صدقه املا... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

- الرمزية مدرسة وتوجه في كافة ضروب اللغة شعرا ونثرا وفنا، ويالها من رمزية ترتق لأن تكون استثنائية في زمننا هذا. فقد فجع الوسط الفني والادبي والفكري في المملكة وفي منطقة عسير خصوصا برحيل قامه من قامات الكلمة شعرا ونثرا وقصا وحديثا، وقبل كل شيء خلقا.

- ولأن لكل من اسمه نصيب فقد كان لمحمد زايد الألمعي من اسمه النصيب كله، ان تك شاعرا أو أديبا أو ناقدا فهذا تميز بحد ذاته ولكن ان تتملك ناصية الكلمة وتوظفها كما تشاء شعرا أو نثرا أو منهجا في الأدب والفكر وفي اي محفل كان فهنا ينطبق الاسم على المسمى، وهنا يصبح الفرد استمرارا لإسمه وتلك فلتة من فلتات القدر.

في الحراك الثقافي الذي كان نادي أبها الأدبي مسرحا له، لمع اسم الفقيد في سماء الأدب والفكر والشعر كما يلمع البرق مضيئا جبال عسير الشامخة.

غير أن ألمعية فقيدنا لم تكن في فكره وشعره وأدبه بل كانت ايضا في خلقه، فالألمعي هو الدَّاهِي الَّذِي يَتَظَنَّنُ الْأُمُورَ فَلَا يُخْطِئُ، وهُوَ الذَّكِيُّ الْمُتَوَقِّدُ الْحَدِيدُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ؛ وهو الْخَفِيفُ الظَّرِيفُ، لقد كان الفقيد كل ذلك، أن تجالس البسطاء وتحمل همهم وان تسمو بفكرك وشعرك وقلمك الى مصاف علية القوم فهذه من شيم العظماء.

كم معركة خيضت ضده وكم نزال ثقافي نازله وكم خصومة جوبه بها، ومع كل ذلك فلم تسمع منه قط كلمة جارحة أو عبارة نابية تجاه خصومه الكثر، وهنا ينطبق على فقيدنا قول المتنبي:

رماني الدهر بالأرزاء حتى.. فؤادي في غشاء من نبال

فكنت اذا اصابتني سهام .. تكسرت النصال على النصال

- عندما كان يكتب الفقيد او يعبر او يغرد في بضع كلمات تتكشف المعية الكلمة من ألمعية صاحبها، ولأن الكلمة موقف ولأن الأدب يتفيأ تحت دوحة الأخلاق فقد كانت كلمة الفقيد تعبيرا أخلاقيا قبل ان تكون أدبا، لقد جمع محمد زايد الألمعي بين ناصيتي الكلمة والأخلاق وسما بهما الى آفاق احسبها فريدة في عصر الخصومات الأدبية.

- في عصر الشدة يعرف الرجال، كان الفقيد يصارع أمواجا عاتية من كثير منأوساط الثقافه، ولأن الكلمة موقف فقد وقف صامدا كالطود الشامخ وسط عواصف من النقد الذي لاينتهي.

- «أخلص لمنهجك» كلمتان بسيطتان خالدتان وستبقيان قالها الفقيد وهو يزف الي خبر الفوز بجائزة أبها الثقافية التي نظمها نادي ابها الأدبي عام 1991 ضاحكاً مستبشراً، هل رأيتم يوما صديقاً يفرح لصديقه بأكثر من فرحة صديقه نفسه؟

- ارتباط الفقيد بمدينته الحالمة أبها التي اسماها في احدى قصائده «طفلة الكلمات» أزلي، ولأن الأخلاص للمنهج مهما بلغت التضحيات مكلفا فقد عاش فقيدنا مغتربا عن طفلته وهو الذي عاشها فعاشته.

أن ترحل قامة بهذه المواصفات في يوم عابر فذلك أمر، وأما أن تشاء الأقدار أن تعود الروح الى بارئها في يوم رمز فتلك اشارة رمزية لرحيل رجل فذ، رجل رمز، سيبقى رمزا كما كانت حياته ووفاته.

* أستاذ العمارة والفن بجامعة الأمام عبدالرحمن بن فيصل