د. شلاش الضبعان يكتب:

- تستغرب كيف يستطيع الظالم أن يجرؤ على الظلم، والظلم ظلمات، وتستغرب أكثر وأكثر كيف يستطيع أن يعيش حياته، ويضع رأسه على وسادته، ودعوات المظلومين تلاحقه؟ وتستغرب أكثر وأكثر كيف يجد الظالم من يجالسه ويؤانسه، وأحياناً يدعمه، ودعم الظالم باسم الصداقة والعصبية أوقع في مهالك ودماء.

- قد يكون الظلم بكلمة، قد يكون الظلم بتهمة، قد يكون الظلم بأكل مال، قد يكون الظلم لشريك حياة، قد يكون الظلم لمرؤوس أو عامل، ويظل الظلم كما قيل: لأن تلقى الله -جل وعلا- بسبعين ذنب بينك وبين الله أهون من أن تلقاه بذنب واحد بينك وبين العباد.

قرأت في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام قصة تبين كراهية الفطرة الإنسانية للظلم، وفرح الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم بمشاركته في رفع الظلم، فقد جاء رجل من زبيد بسلعة إلى مكة، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي، وكان ذا قدر وشرف، وحبس عنه حقه، فاستعدى عليه ببني عبد الدار، وبني مخزوم، وبني جمح، وبني سهم، وبني عدي، فلم يكترثوا له، فعلا جبل أبي قبيس، وذكر ظلامته في أبيات، ونادى من يعينه على حقه.

يا آل فِهر لمظلوم بضاعتُه.. بِبطن مكة نائي الدار والنَفَر

ومُحرمٌ أشعثُ لم يَقض عُمْرتَه.. يا للرِّجال وبَيْن الْحِجْرِ والحَجَر

إن الحرامَ لِمَن تمَّت كرامتُه.. ولا حَرام لِثوب الفاجر القذر

- فمشى في ذلك الزبير بن عبد المطلب، وقال: ما لهذا مترك؟ حتى اجتمع الذين مضى ذكرهم ( بنو هاشم، وبنو المطلب وبنو أسد، وبنو زهرة، وبنو تيم) في دار عبد الله بن جدعان رئيس بني تيم لسنّه وشرفه، وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غيرهم إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، ثم قاموا إلى العاص بن وائل السهمي، فانتزعوا منه حق الزبيدي، ودفعوه إليه، وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحلف الذي سمي بحلف الفضول وهو صغير مع أعمامه، وقال بعد أن شرفه الله بالرسالة: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت».

- يجب أن يكون للعائلات والأقارب دور في ردع الظالم، من أجله ومن أجل اسم العائلة، قبل أن يكون من أجل المظلوم، فالظلم دمار على الظالم والساكت، وما جعل الظالم يتمادى في ظلمه في كثير من الأحيان إلا الصمت.