هناء مكي

@hana_maki00

- على عكس الاقتصاد الحديث، فالتجارة هي مهنة السلم لا يمكن أن تزدهر في الحروب ولكنها بطريقة ما تنجح في أن تستمر خلالها، وتكبر بعد الحرب، لذا فإن التاجر من القلة الحياديين في أي حرب لأن هدفه الربح والتكسب ويعلي مصالحه على أي مكسب آخر، حتى في الحروب وانتكاساتها وأي ميل له في أي حرب سيخسر هو حربه وربحه إلا إذا كانت الحرب وطنية تهدد وجوده.

- لذا فأن التاجر المحترف والمحنك هو من يصنع تجارته ولا يتاجر بافكاره السياسية وانتماءاته، فذلك ما يعرف بنقاط الضعف التي تخلق له ثغرات لا يمكن ردمها فتسئ لسمعته التجارية واعماله، وفي كل الاحوال ستكتب في تاريخه وتُدخر لأجيال، لذا فإن السياسة والتجارة خطان لا يستقيمان ولكن بصورة أو بأخرى يمكنهما أن يدعمان اهدافهمها الغير معلنة. ولكن لا يعني أن ينأى التاجر عن زج أسمه في الحراك السياسي أن يبتعد عن هذه الساحة بالمطلق، فهو أولى بالتربح والتكسب في هذه الاسواق بحياديته وفق مبدأ الحاجة، ودعم مصالحه لذا دائماً التاجر المخضرم اذا لم ينأى عن السياسة فهو يتدخل للصلح حتى يمكنه من تنشيط السوق الراكدة.

- وبالعودة للعنوان، فالفرق بين السياسة التجارية والتجارة السياسية، تكمن في أن الأولى هي مهام وقوانين وتشريعات تضعها السلطة أو الحكومة أو الإدارة العليا لتسهيل التجارة ودعمها. وأما الثانية وهي التجارة السياسية فهي تعني سياسة التاجر الشخصية، تكمن في حنكته وكياسته الذاتية، لصنع هدفه وطريقه التجاري بنفسه، عبر محموعة من المبادئ والسوكليات والتي تشكل مقومات الكسب والربح. فالبعض يهدف للتجارة بمنتجات سوق بعينها شرقية او غربية او منتج ما أو حرفة أو صنع شراكات والحصول على وكالة لأسم عالمي، والبعض يصنع خط آخر من الربح والفائدة بأن ينمي مجال يحبه أو يهتم فيه كالفن والثقافة، أو الاعمال الخيرية والجمعيات ... وغيرها من وسم يخطه التاجر حين يبدأ حصد ثمار تجارته ليصنع سياسته هو نفسه وتشكيل شخصية المؤسسة التجارية التي يديرها وهويتها، لتحقيق اهدافه على المدى الطويل.

-- صنع هوية التاجر لتجارته تحتاج لهدف ورسالة يضعها نصب عينيه اذا اراد الاستمرار، الهدف ان يحصد ما يريده من النقاط الناجحة والفرص السانحة، وأما الرسالة فلا بد أن تكون ذات معيار أخلاقي لتصنع سمعته التجارية وتقوي علاقاته وشراكاته وعهوده، ويسبغ بها هويته على اعماله التي ستحميه وتبعده عن امراض قد تعيقه احيانا أو تؤثر في سمعته كالجشع والاحتكار والغش والتلاعب.

- المعيار الاخلاقي في التجارة كان ولا يزال مرتبط بالدين ارتباط وثيق، ويمكن فهمه في احكام حرمة الربا ووجوب الزكاة وغيرها من اسس الانفاق الشرعية، ولم تقتصر فقط على ديننا الاسلامي، بل تم صيغ التشريعات العالمية ضمن السياسات الحالية من النظرية الاخلاقية المعيارية الغربية في القرون الوسطى التي تبناها علماء ومؤرخين وفلاسفة، من اشهرهم المؤرخ الانجليزي وليم بيتي الذي ولد في بيت تجار ومارس التجارة وهو فتي والتزم بسياسة عدم التدخل حين عاصر وقتا سياسياً عصيبا حينها وفق عقلية التاجر المسالمة. لذا هذه المعايير الاخلاقية هي من تصون التاجر في وقت الحرب وتصون حرفته.