د. محمد حامد الغامدي

@DrAlghamdiMH

ما أدعو إليه منذ أكثر من ثلاثة عقود هو الحفاظ، بيئيا، على المدرجات في مناطقنا المطيرة جنوب غرب المملكة، إنها بناء تاريخي تعاقبت الأجيال في بنائه حتى أصبحت جبالنا موطن الحدائق المعلقة، تعطي وتثمر، جهد تراكمي لأجيالٍ مضت، حاربت العطش والجوع ببناء هذه المدرجات، إنه بناء عبقري جعل وظيفة الجبال تحصد المطر كما يحصدون سنابل القمح وعناقيد العنب.

تحولت هذه المدرجات مع عصر البترول إلى ركام يبلى ويتهدم، غاب استلهام أهميتها ووظيفتها التاريخية عبر الزمن، أخيراً حول إنسان الجيل الحالي البعض منها إلى مشروع زراعي في ظل تجاهل كونها بناء لصيد مياه الأمطار لتغذية المياه الجوفية، لضمان زراعة مستدامة تحملها.

اليوم أصبحت أوعية زراعية تراثية غير اقتصادية بشكلها القائم، التحديات تتفاقم لجعلها هباءً منثوراً مع تعاظم تهدمها وجرف تربتها، الزراعات الحالية وبنمط طرقها المطبقة تستنزف المياه الجوفية المتجددة بشكل عشوائي مضر، وبدون تعويض يغطي المستنزف.

المدرجات الزراعية في مناطقنا المطيرة من أعظم الإنجازات البشرية المائية على وجه الأرض في المناطق الجافة، بناء تراكمي عبقري تم تشييده مع الأجيال لصيد مياه الأمطار الشحيحة، بناء استثمر مياه الأمطار لتغذية المخزون الاستراتيجي التراكمي لتغطية الاستهلاك الزراعي في بطون الأودية بين الجبال عبر التاريخ، أيضاً تمتد منفعتها لتغذية المياه الجوفية في المناطق الصحراوية شرق هذه الجبال المطيرة المنحدرة شرقا.

أي مشروع جديد يتجاهل ذلك الدور الرئيسي المهم سيكون مشروعاً خارج حسابات الزمن، مشروع سيشكل كارثة على المستقبل.

استدامة الماء أهم قبل أي زراعة، إذا لم نأخذ هذا في اعتبارات التخطيط فنحن نؤسس لضياع الجهد والمال والوقت، ونرسم قرار الفشل الزراعي والبيئي قبل أن نبدأ، استدامة الماء عنوان لنجاح أي زراعة مستدامة .

جاء مشروع إعادة تأهيل المدرجات، ليزيد الطين بلة على وضع المياه الجوفية، يزيد من فقرها، يعمل أيضا على وقف تغذيتها. حتى مشاريع السدود في هذه المناطق المطيرة تشكل عند كاتبكم أحد مؤشرات التصحر القادمة.

إن معنى كلمة «إعادة» تختلف عن كلمة «إنقاذ» ، هكذا تاهت الأهداف من خلال هذه التسميات، أيضا ماذا تعني كلمة «تأهيل» في مشروع إعادة تأهيل المدرجات؟ أين الوظيفة المائية البيئية لهذا المشروع؟ ميزانية ضخمة رصدتها الدولة أعزها الله وبارك في جهودها لهذا المشروع وغيره من المشاريع، ثم نجد أن هناك تركيز على زراعة استفحل أمرها على حساب تغذية المياه الجوفية، بل وإهمال أمرها.

ما التأثير السلبي لمشروع إعادة تأهيل المدرجات على تغذية المياه الجوفية؟ إثارة هذا السؤال يعني أن وراء الأكمة ما وراءها فكرياً، هل هذا المشروع يعمل لإنقاذ جميع مدرجات جبالنا المطيرة من الزوال؟

وحتى لا يكون هناك لبس أقول بأن مشروع إعادة تأهيل المدرجات لا يحقق الهدف الرئيس والأهم وهو صيد وتجميع وخزن مياه الأمطار، وحماية التربة من الانجراف والضياع، وقد كررت هذا مرارا وتكرارا لأنه محور الحديث برمته منذ البداية وحتى هذا المقال الحادي عشر.

مشروع إعادة تأهيل المدرجات لا يرى إلا بعين واحدة، هي عين الزراعة، أما عين الماء فقد تم تغطيتها عنوة أو جهلا أو تجاهلا، يعني غياب أهمية المياه عند راسمي أهداف هذا المشروع، جعلوه في خدمة زراعة المدرجات التي يتقدم أهلها بطلب الخدمة، وفق شروط. ونسأل: ماذا عن بقية المدرجات بعرض وطوال مناطقنا المطيرة التي تركها أهلها تواجه الدمار والهدم والزوال.

تجاهل كامل المدرجات في جبالنا جنوب غرب المملكة، تجاهل لدورها المائي في وقت نحن بحاجة إلى كل قطرة ماء، ويستمر الحديث بعنوان آخر.