@LamaAlghalayiniلمي الغلاييني

- رغم اعترافنا بالصداقة كقيمة مهمة من قيم الحياة الطيبة، لكننا نغفل واحدة من أهم ميزاتها، وهي في وجود ذلك الآخر الذي يصغي إلينا، و هذا لا يفعله إلا قلة منا، ليس لكوننا أشرارا، بل لأننا لم نتعلم كيفية فعله، فنحن نأتي إلى الحياة الاجتماعية جائعين إلى الكلام و لقاء الآخرين، دون الالتفات للاصغاء و الاستماع، ففي حضارتنا كتب عظيمة كثيرة عن كيفية الكلام ، مع ندرة كتب مهارات الإصغاء.

- و لهذا يصبح قضاء الوقت مع الشخص الماهر في الإصغاء مريحا و ممتعا، فهو يستحثنا لنواصل الكلام عن أمورنا مما يسهل علينا أن ندرك ما في رؤوسنا من أفكار، وكثيرا ما نفقد القدرة لوضع اليد تماما على ما يضايقنا أو ما يثير حماستنا، مما يزيد امتناننا لمن يشجعنا على الإسهاب في سرد المزيد من التفاصيل، وفي حاجة لذلك الذي لا يندفع إلى الكلام اندفاعا، بل يكتفي بتكرار الكلمتين السحريتين: وماذا بعد ؟

- ولديه ذلك الفضول لمعرفة مصدر حماستنا أو منابع مخاوفنا، ويطرح علينا أسئلة من قبيل: لماذا يزعجك هذا الأمر تحديدًا ؟ لماذا رأيت ذلك الأمر مهما جدا؟، و يشجعنا على التوضيح أمام أنفسنا عند قول أمور غامضة، حيث نكتفي غالبا بالقول عن شيء من الأشياء إنه جميل، أو فظيع، أو لطيف، أو مزعج، لكننا لا نتأكد بأننا ندرك حقا ما جعلنا نشعر هكذا.

- و من يحسن الاصغاء يمنحنا ذلك الشك البناء في التدقيق فيما نقول، و البحث عن الدافع الأكثر عمقا المتواري في الخلفية، وحين يسمعنا نقول أمورًا من قبيل، «ضقت ذرعا بعملي»، أو «هناك مشاجرات كثيرة بيني وبين زوجتي»، يساعدنا في التركيز على الجذر الحقيقي لتلك المشاكل الوظيفية والزوجية، فهو يصغي متطلعا إلى استيضاح الأسباب الكامنة خلف ما يسمعه، و لا يتعامل مع الحديث كنوع من الثرثرة و تبادل الحواديت، و الأمر الأجمل هو أنه لا يلقي علينا مواعظ أخلاقية، لأن المستمع الجيد لديه إدراك كافي لتقبل المتناقضات و تقلب الأمزجة، بل يمتلك أسلوبا ماهرا في التعاطف و إطلاق أصوات وهمهمات إيجابية عارضة تحمل إشارة رقيقة بالاستماع المتفهم، ومن غير مقاطعة لما نريد قوله مما يطمئننا بأنه يقر بحماقاتنا ويقبلها، ولن يجرح كرامتنا، لأننا نعاني في حياتنا الحديثة قلقًا كبيرًا يفرضه علينا عالمنا التنافسي يجعلنا غير قادرين على التعبير الصادق عن شدة ما بنا من كرب أو ضغط.

- المرء يخشى أن يعبر عن خوفه أو احساسه بالفشل، فقد يؤدي هذا إلى أن يمضي الناس ويتركوه، وأما من يصغي جيدًا فهو يستجيب لضعفنا وهشاشتنا بقدر كبير من الدفء، ولا يرى فيهما أمرا مشمئزا، كما أنه يفصل بين انتقاده لنا وعدم اتفاقه معنا، فثمة ميل ضخم إلى الإحساس بأن عدم موافقتنا الرأي ليس إلا تعبيرًا عن موقف معاد، لكن المستمع الجيد يحرص على توضيح أنه يقدرك لكنه في الوقت نفسه يرى رأيك مخطئًا، ويعني هذا وضوحًا في أن محبته لك ليست متوقفة على وجود اتفاق دائم بينكما. فهو يدرك تمام الإدراك أن صديقه يمكن أن يكون مخطئا أو مرتبكا و بحاجة ليد لطيفة تحل تشابكاته وعقده.