د. محمد حامد الغامدي

عوامل مؤلمة تواجه المدرجات بشقيها المملوك لأفراد أو المنتشر في البيئة الجبلية التي كانت مملوكة بشكل جماعي، تحت نظام «الحمى»، ساد عبر العصور بين القبائل. حافظ على البيئة بقوانين حازمة، عززت حمايتها وصيانتها واستثمارها وتنميتها عبر القرون. زال بعض هذه المدرجات مع الزمن بسبب الكثير من العوامل، أهمها الإهمال وغياب الإنسان التراكمي عنها. يشتد ويهبط منذ زمن الفتوحات الإسلامية.
المشكلة والتحديات التي توجه المدرجات حاليا، في جزء منها، يعود إلى طبيعة موقعها داخل الشريط المطير على قمم جبال جنوب غرب المملكة. شريط ضيق العرض معظمه لا يتجاوز 3 كيلو متر. يمتد من الطائف حتى أقصى نقطة جنوبية. عبر التاريخ كان الخزان البشري، بسبب استدامة أمطاره، ومهارة استثمارها لصالح البقاء. لأهميته خصصت له ثلاثة كتب وما زلت أكتب عنه.
وجدت بالبحث والتقصي أن جميع القرى التاريخية، والتجمعات السكانية تقع داخل هذا الشريط المطير المحدود المساحة، باستثناء موقعين هما قرية بيشة التاريخية في منطقة عسير، وقرية العقيق التاريخية في منطقة الباحة. هذه الظروف، مع غيرها، جعلت التنمية المباركة تتركز داخل هذا الشريط المطير المهم مائيا، فهو أيضا الخزان الاستراتيجي للمياه الجوفية المتجددة، ويفيض منه الماء إلى الشرق بفعل ميول وانحدار الطبقات الصخرية النارية الصماء الحاملة للمياه الجوفية. وتمتد هذه الصخور تحت سطح الأرض حتى تصل على عمق أكثر من 5 كيلومترات تحت محافظة الأحساء على الخليج العربي.
مع التنمية في هذا الشريط المطير بجميع المناطق تحولت القرى التاريخية إلى مدن وأحياء حديثة. تنمية لم يشهد لها التاريخ مثيلا. بدأت بزخم هائل منذ مرحلة الطفرة الأولى عام (1975). كانت طفرة توسعات مكثفة على حساب المدرجات الحجرية، والتربة الزراعية النادرة، والغابات والغطاء النباتي المحدود. توسعات أنهت وجودها في مناطقها.
على سبيل المثال، أجد في منطقة الباحة المطيرة، وهي المنطقة الإدارية الأصغر في المملكة بمساحة 12 ألف كيلو متر مربع، خير نموذج لتوضيح مشكلة جور التنمية على وضع المدرجات، والتربة الزراعية، والغابات والغطاء النباتي، حيث تتركز التنمية في شريطها المطير الضيق والصغير. كنموذج وجدت المتنزهات قامت على حساب تدمير وهدم المدرجات التاريخية، منها: متنزه غابة رغدان، متنزه القمع، متنزه خيرة. هذه المتنزهات السياحية تجاهلت وظيفة المدرجات في تغذية المياه الجوفية وحفظ التربة الزراعية النادرة.
غاب الفكر البيئي أيضا عن مشاريع تأسست على تجريف المدرجات. منها مشاريع مخططات الإسكان، وخير نموذج أيضا في منطقة الباحة مشروع إسكان القمع، والشطيبة، ومشروع إسكان جديد تم تأسيسه في غابة «الخالف» بمحافظة بلجرشي. وأيضا مشروع بناء المسلخ وساحاته وملحقاته في هذه المحافظة. وهناك أخرى كثيرة في جميع مناطقنا المطيرة، جنوب غرب المملكة.
كان يمكن.. أو هذا ما كان يجب أن يكون عليه الوضع.. الخروج بالتنمية من منطقة المدرجات والشريط المطير إلى مناطق خالية من المدرجات والغابات. وخير مثال لهذا الوضع المثالي نجده أيضا في منطقة الباحة. حيث تم توجيه بعض التنمية نحو امتداد مدينة العقيق الواقعة خارج مساحة الشريط المطير والخالية من المدرجات والغابات. هناك أيضا مخطط العسلة الجديد في محافظة بلجرشي، قام على سفوح جبال خالية من المدرجات والتربة الزراعية، كان يمكن تعميم ذلك على جميع المشاريع التنموية في جميع مناطقنا المطيرة جنوب غرب المملكة.
غاب الفكر البيئي في المراحل السابقة، فغابت حسابات سلامة البيئة، لماذا يستمر الغياب وإلى متى؟ ندمر المدرجات، نجتث الغابات، نجرف التربة الزراعية النادرة، نقضي على النظم البيئية والمائية والزراعية التقليدية. إنها من مؤشرات التصحر العلمية. الجهل بأهمية الشيء لا يعطي حق القضاء على هذا الشيء. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH