غنية الغافري


- يتمتع أحد الموظفين بروح المبادرة العالية وحب العمل ولديه الكثير من الأفكار الخلاقة التي لو دخل بها المنافسات لتصدرها لكنه في كل مرة يتقدم بفكرته لمديره يطلب منه الرفع بها على شكل خطاب متضمن فكرته فيقوم بكل حماس بتوثيقها مفصلة بخطاب منمق ومحبر لكن خطابه يعود له في كل مرة ممتلئ «بالدواويح» الحمراء ! وكأنها شهادة طالب رسب في كل المواد حيث دقق مديرة على الإملاء واللغة والبلاغة والفواصل ومقاس الحروف ! ونسي الفكرة الأساس !
- هذا الموظف ذكرني بقصة النملة المجتهدة والأسد والقصة تقول أن نملة مجتهدة تتجه كل صباح إلى عملها بنشاط وهمة وسعادة فتنتج وتنجز الكثير ولما رآها الأسد تعمل بكفاءة دون إشراف، قال لنفسه: “إذا كانت النملة تعمل بكل هذه الطاقة دون أن يشرف عليها أحد، فكيف سيكون إنتاجها لو عينت لها مشرفاً؟
وهكذا قام بتوظيف الصرصور مشرفاً على أداء النملة، فكان أول قرار له هو وضع نظام للحضور والانصراف، وتوظيف سكرتيرة لكتابة التقارير وعنكبوت لإدارة الأرشيف ومراقبة المكالمات التليفونية.
ابتهج الأسد بتقارير الصرصور وطلب منه تطوير هذه التقارير بإدراج رسوم بيانية وتحليل المعطيات لعرضها في اجتماع مجلس الإدارة، فاشترى الصرصور جهاز كمبيوتر وطابعة ليزر، وعيَّن الذبابة مسئولة عن قسم نظم المعلومات.
كرهت النملة المجتهدة كثرة الجوانب الإدارية في النظام الجديد والاجتماعات التي كانت تضيع الوقت والمجهود، وعندما شعر الأسد بوجود مشكلة، راجع تكلفة التشغيل، فوجد من الضروري تقليص النفقات، فعيّن البومة مستشاراً مالياً، وبعد أن درست البومة الوضع لمدة ثلاثة شهور رفعت تقريرها إلى الأسد توصلت فيه إلى أن القسم يعاني من العمالة الزائدة، فقرر الأسد فصل النملة لقصور أدائها وضعف إنتاجيتها!
- الحقيقة أن مثل النملة كثير فرغم كثرة الموظفين إلا أن العمل الحقيقي لايقوم به إلا المغمورين في كثير من الأحيان والبقية مشغولين في « الترزز» أما المجتهد فهو لايغادر مكتبه ولايجد وقتاً ليتناول فطوره ثم تذيل كل جهوده بإمضاء « المترززين « أما المحاسبة في كل الأخطاء فيتحملها وحده وإذا ماغادر غادر بصمت لم يعلم به ولم يذكره أحد ! ولو بوردة !
- في حين ينادى الكسالى بعدم الاجتهاد لعدم وجود حوافز، نجد المخلصين يعطون بلا مقابل، فالدافع الأول لهم رضا الله والرقابة الذاتية و»القرش الحلال»، وكما يوجد موظفين مجتهدين كالنملة، فإنه يوجد من المدراء المحفزين والداعمين الذين يذللون كل العقبات أمام موظفيهم ويقدرون عملهم، وينثرون في إداراتهم الراحة والطمأنينة وحب الحياة.
@ghannia