أ.د.هاني القحطاني


-تريف المدينة مصطلح يقصد به تحولها إلى ريف والمصطلح هو تعبير مهذب لظاهرة أصبحت ملازمة لكثير من مدن العالم وهي تتسم بظهور أنماط بناء عشوائية مما يؤثر على مظهر المدينة عمرانيا واجتماعيا واختلال التركيبة السكانية للمدينة وعدم تجانس ساكنيها وهو ما يكون له تأثير سلبي على مخرجات التنمية وأشكالها، وتكاد أن تخلو مدن المملكة من هذه الظاهرة نظرا لقوة الأنظمة المتعلقة بالتنمية العمرانية وتطبيقها على أرض الواقع، ومع إزالة العشوائيات في كل من جدة ومكة لعل تريف المدينة بمستواه المادي غائب عن مشهد التنمية العمرانية في المملكة.
-وعلى العكس من تريف المدينة يعني مصطلح تمدن الريف العكس تماما وهو زحف التنمية العمرانية كما تجسدت في المدينة بمخططاتها المعدة سلفا من قبل البلديات أو من متطلبات الجهات الحكومية ذات العلاقة عى الريف والتعامل مع الريف كما لو كان مدينة وهنا تسلك التنمية مسارا آخر، والريف في كل مكان في العالم يخضع لآليات تنموية ومعيشية وثقافية مختلفة تماما عن تلك التي تسري على المدن.
-ومن خلال مخرجات التنمية العمرانية التي مرت بها بعض المناطق الريفية في المملكة فإنه يلاحظ أن الريف قد فقد الكثير من هويته الريفية. بداية ترى تراجع أنماط البناء التقليدية بل واختفائها كلية عن المشهد العمراني لتخلي المجال أمام البناء الحديث بالخرسانة، وبإحلال الخرسانة مكان الحجر أو الطين أو أي من مواد البناء التقليدي فقد الريف إحدى أهم ركائزه. هنا تشعر وكأن مباني الخرسانة تلك قد حطت رحلها على هذه القرى من كوكب آخر، وهنا فقد الريف تميزه وأصبحت مبانيه امتدادا لمباني المدينة.
-غير أن أخطر ما قد يواجه التنمية العمرانية في الريف هو اعتماد نظام توزيع الأراضي السكنية المطبق في المدن وتطبيقه في الريف، وهنا يتحول الريف إلى مدينة، هذا هو مفهوم تمدن الريف، إن توفير السكن وجميع متطلبات التنمية من كهرباء وماء وصرف صحي وشكات طرق ومواصلات مطلب مشروع تماما للريف غير أنه عندما يتم تطبيقه في الريف بنفس طريقة تطبيقه في المدينة سوف يحول الريف إلى مدينة وهنا يصبح الريف امتدادا للمدينة.
الحديث هنا عن الكتلة العمرانية في الأرياف، إن ما يميز الريف هو احتفاظه بعناصره الطبيعية «، من جبال ومزارع وتضاريس ومجاري الأودية والشعاب وكل المعطيات الطبيعية الخاصة بكل موقع»، كما هي، اذا ما تم التعامل مع الريف من هذا المنطلق، فإن مخرجات التنمية ستكون واعدة، عندها تتحقق كلتا الحسنيين.
عندها تتوفر كافة الخدمات في الريف ويصبح العيش في الريف مطلبا للناس وفي نفس الوقت تحافظ الكتلة العمرانية في الريف على تميزها عن المدينة وهنا يبقى الريف ريفا وليس امتدادا للمدينة. هذا أمر على جانب كبير من الأهمية، ومتى ما تم العمل بموجبه بالرغم مما قد يعترضه من صعوبات يتحول الريف إلى نقطة جذب للتنمية البشرية بدلا من أن يكون طاردا لها.
artilligraphy@gmail.com