د. أحمد الكويتي


- الشخصية هي نتاج استمرار وتفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والتجارب الحياتية والاختيارات الشخصية، وهذا يعني أن هناك مجالاً واسعاً للتنوع والفردية في السمات الشخصية. الطريقة التي يتم بها تربية الفرد والقيم التي تُعَلَّم له في البيت والمدرسة والشارع تؤثر في تطور شخصيته وتشكلها، فهو يتعلم من خلال محاكاة السلوكيات والتعبيرات العاطفية للوالدين والمعلمين ونوعية التعليم والأقران، فنجده يميل إلى تقليد السلوكيات التي يراها في الآخرين، خاصةً إذا كان يعتبرهم قدوات أو مؤثرين، فالتجارب الشخصية مثل النجاحات والإخفاقات، وكذلك التعامل مع التحديات والصدمات، فهي تسهم في تشكيل الشخصية سلبا أو إيجابا، فمن مواجهة الصعوبات والتغلب عليها، ومن التفاعلات اليومية مع الأسرة، الأصدقاء، زملاء العمل، الضغوط النفسية والجسدية كلها تغير تغيير بالغ في السلوكيات، وتؤثر في الشخصية.
- فوسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة أتت كعامل بارز ومهم لتغيير السلوك الاجتماعي والقيمي، والمعرفي، وعلاقات الأشخاص فيما بينهم في هذه الآونة، فهي فعلا غيرت الطريقة التي يتفاعل بها الأفراد في بناء علاقاتهم، فقد عززت الشعور بالعزلة والفردية في أحايين كثيرة، مما أدى إلى سطحية العلاقات، وقللت التواصل وجهاً لوجه، حيث فضل الأفراد التفاعل الافتراضي على الوُجود الفعلي والتفاعلات الإنسانية، مما أضعف جودة الحياة الاجتماعية، وعلى صعيد سلوك آخر وجد أن هناك إفراطاً في حدود معرفة التفاصيل الخصوصية الشخصية للغير وتعزيز الفضول عند الفرد وشعوره المتسابق في معرفة المعلومة والشعور بالرغبة للمساهمة في نقلها بتفاصيلها على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أسقط علاقات الأفراد فيما بينهم والمتعلقة بالخصوصية والسرية. زيادة على ذلك التنمر الإلكتروني، مما بات يعرفنا على طبيعة الأشخاص، وكشف الأوجه المختلة منها السلبية والإيجابية والمعززة والناصحة، وشهدنا بروز المثقف والمتعلم والجاهل، فقد أصبحنا نقيم الأفراد من آرائهم وأشكال صورهم وطبيعة محتواهم؛ مما أوجد تأثيرا سلبيا على رسم الانطباعات الذهنية عن هؤلاء. علاوة على ذلك نجد تدني حجم الإنتاجية عند لفرد بعد الإدمان المفرط على استخدام الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية، والتي قللت من القدرة على التركيز والانتباه، وأثرت كذلك على جودة العمل أو الدراسة المنشودة. فأصبح من الملاحظ بأن الفرد لديه صعوبة في التركيز على مهمة واحدة دون التحقق من هاتفه أو الإنترنت، فأصبح الاعتماد التام على الأجهزة الذكية في الحياة بات هو المسيطر؛ مما تسبب في تآكل القدرات الذهنية في الذاكرة وقدرته على حل المشكلات؛ نظرًا لقلة الحاجة إلى استخدام هذه المهارات.
- خلاصة القول، عوامل تشكل شخصية الفرد على مر الزمن، غالباً ما كان التأثير البيئي المتراكم والمتفاعل مع الجينات، اليوم تغيرت المعادلة بوجود شبكات التواصل الاجتماعي في حياتنا، وأصبحت العامل الأخطر والمتحكم فيه، فقد غيرت وأثرت وشكلت وحورت سماتنا الشخصية الجديدة
جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
@Ahmedkuwaiti