كنت أعتقد بأن «جبل شدا» ينتمي إلى تهامة، وخلال زياراتي في شهر يناير 2024، وجدت بالصدفة ارتباطه بجبال الحجاز والسراة في نقطة ظاهرة على سطح الأرض، رصدت مشهدها الجيولوجي والجغرافي، خلال رحلة لرصد قصة الإنسان مع الماء في جبل شدا، تحضيرا لوضعها في كتاب لصالح مستقبل الماء في شدا.
مع المشهد الجيولوجي تخيلت كيفية ولادة جبل شدا صاحب الكتل الصخرية العظيمة الحجم، والاستثنائية على مستوى جبال المملكة، الملاحظة ساعدت تصوري لطريقة ولادة الجبل، كل ذلك توحي به الطبيعة الجغرافية والجيولوجية. جبل شدا استثنائي في منطقة الباحة بكاملها، فأطلقت عليه جبل طويق منطقة الباحة. استثنائي بموقعه، وحجمه، وبيئته، وناسه، وجلاميده الصخرية، وأيضا وجدته جزءا لا يتجزأ من سلسلة جبال الحجاز والسراة.
تاريخيا تم تصنيف جبل شدا ضمن جبال تهامة، هكذا اكتسب شهرته، الجبل يرتفع إلى «2200» متر فوق سطح البحر. لكن وظيفته المائية تؤكد بأنه جزء لا يتجزأ من سلسلة جبال الحجاز والسراة التابعة لمنطقة الباحة، هذا هو الأهم ومحور وجوده ومنفعته، جبل يحمل في جزئه العلوي مناخ السراة، وفي الجزء الآخر المنخفض مناخ تهامة، الماء هو الذي جعلني أتتبع تضاريسه لأتوصل لهذا الاستنتاج.
تخيلت ولادة جبل شدا، طبيعة تكوينه الصخري تؤيد ما ذهبت إليه، ذلك يعود لزمن جيولوجي منذ ملايين السنين، حيث حصل في طرف سلسة جبال الحجاز والسراة دوامة في مادة الصخور النارية المصهورة، فكونت مخروط متجه رأسه إلى قاع الأرض، وعند ملامسته درجة الحرارة العالية جدا في جوف الأرض، قذفت بهذا الراس بشكل عكسي إلى الأعلى. ونتيجة لذلك حمل المخروط المعكوس الاتجاه إلى الأعلى مادة الصخور المصهورة ككتلة واحدة حتى وصل ارتفاعها إلى 2200 متر فوق سطح البحر.
تجمدت مادة هذه الصخور المصهورة وكونت كتلة الجبل الصخرية الضخمة المختلفة شكلا عن التي نشاهدها في سلسلة جبال الحجاز والسراة. حيث نشاهد صخور جبل شدا ونتوءاتها مغلفة بصخور تراها في سلسلة جبال الحجاز والسراة، أيضا للجبل قرون صخرية عمودية متجهة إلى السماء بفعل المادة المصهورة في باطن جوف الأرض العميقة. طفرة جبل شدا إلى الأعلى كونت مجمع جبال صغرى متناثرة في أشكال متقاربة حول قاعدته.
كنت أعتقد حتى زياراتي الأخيرة بأن جبل شدا منفصل تماما عن جبال الحجاز والسراة، لكني لاحظت وجود ما يشبه القنطرة تمتد من جبال الحجاز والسراة في منطقة الباحة إلى قاعدة جبل شدا الشرقية، ممسكة به، كأنها حبل يشد بين نقطتين. كأنها حبل سري يربط الجبل المولود الجديد «جبل شدا» بأمه جبال السراة. مشهد لفت نظري فسجلت له خمس زيارات توثق هذا المشهد. هذا ما جعلني أقول بأن جبل شدا هو جبل وليد لم يستطع الفكاك من قبضة ذراع أمه جبال الحجاز والسراة، فأصبح يحمل نفس الوظيفة المائية لكن لمنطقة تهامة «فقط»، وهذا ما ميزه عن غيره من الجبال.
وثقت المشهد الجيولوجي الجغرافي في كتابي القادم بالصور والتحليل. جبل شدا جزء من جبال الحجاز والسراة يعيش في سهول تهامة، وتحيط بجسمه هذه السهول من ثلاث جهات: الغرب، والشمال، والجنوب. في شرقه توجد القنطرة، وتمتد حوالي ثلاثة كيلومتر من جبال الحجاز السراة مغروسة في جسم جبل شدا بقاعدته، وترتفع «800» متر عن سطح البحر في نقطة اللقاء العلوية.
تحيط بهذه القنطرة أودية غائرة تقسم سهول تهامة المحاذية لجبال الحجاز والسراة في منطقة الباحة إلى قسمين لا يلتقيان. جنوبي وشمالي، تحمل هذه الأودية السيول القادمة من الجبال حولها إلى أن تصب في البحر الأحمر، تحمل دليلا يثبت صحة ما ذهبت إليه، وللحديث بقية.
@DrAlghamdiMH