د.إبراهيم عبدالله المطرف

لم يأتِ إختيار الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز "يرحمهما الله" لولاية العهد لإعتبارات شخصية ، بل جاء اعترافاً بسيرة نايف الإدارية الثرية ، وتتويجاً لخبراته وتجاربه ، وتقديراً لما قام به سموه من أعمال جليلة . فقد كان سموه حاضراً في كل شئون البلاد ، وأصبحت له تجارب مختلفة ومتعددة ونوعية ، يمكن للمواطن أن يقرأ حجم المستقبل من خلالها .



فالأمير نايف تغمده الله بواسع رحمته ، كان أحد قياديي الوطن ، الذين قيّض الله لهم تولي رعاية البلاد وشؤونها ، رجال الدولة الذين تعاقبوا على تحمّل المسئولية ، ونذروا أنفسهم لخدمة قضايا ومصالح الوطن والمواطن ، رجالاً أوفياء ، صدقوا ما عاهدوا الله عليه .



جاء تعيين سمو الأمير نايف يرحمه الله وليا للعهد ، لكونه مدرسة شاملة بكل أبعادها ، مدرسة تتميّز بالحكمة والدراية ، مدرسة ذات رؤية واضحة ، وبُعد نظر وعمق سياسي ، وعقل منفتح على المستقبل ، مدرسة المهمات الصعبة ، مدرسة الانموذج الناجح ، مدرسة أثبتت أنها قمة في إدارة الأمن ، مدرسة تصدَّت للعنف وللارهاب ، بسياسة تذويب وتجفيف ، وتثقيف بالمواطنة والأمن الفكري ، سياسة الدمج في المجتمع ، النهج الذي إعترف به العالم كنموذج سعودي سياسي فريد .



لقد كان للراحل يرحمه الله سجلاً بارزاً في العمل الرسمي ، ويكفي أنه عمل تحت راية عدة ملوك يرحمهم الله . وقد إستفاد الوطن بتعيين سموه من خبراتهم وتجاربهم ، ومن عمل سموه تحت رايتهم من أولياء العهود ، إضافة إلى خبرته الشخصية الثرية .



لسمو الأمير نايف يرحمه الله الكثير من الإنجازات ، وفي مجالات متعددة الجوانب ، فقد عمل سموه وزيراً للداخلية لسبعة وثلاثين عاماً ، وأشرف على العديد من الهيئات والمجالس واللجان ، وأسّس المراكز والكراسي العلمية ، وحصل على العديد من الجوائز والأوسمة والنياشين التكريمية .



وهناك إجماع على أن أهم إنجازات سموه تغمده الله بواسع رحمته ، هي صيانة أمن البلاد ، فقد تصدّى الأمن السعودي بقيادته للإرهاب ، ودحره دفاعاً عن أمن البلاد واستقراره . وبات التعامل السعودي مع الأرهاب مضرباً للمثل ، ما حدا بالمعنيين بالأمن الوطني في العالمين النامي والمتقدّم ، إلى الدعوة للإفادة من التجربة السعودية الفريدة من نوعها في مجابهة تحديات الارهاب والارهابيين .



ويؤكد لنا ذلك ما جاء في رسالة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله ، مهنئاً بتعيين الأمير نايف ولياً للعهد ، ومؤكدًا بأن "الولايات المتحدة تعرف وتحترم إلتزام الأمير نايف بمكافحة الإرهاب ودعم السلام والأمن في المنطقة" .



ويؤكد لنا ذلك أيضاً ما وثقته شبكة CNN الأمريكية "بأن إشراف سمو الأمير نايف على جهود المملكة في مكافحة الإرهاب ، جعل السعودية الدولة الوحيدة التي نجحت حقاً ، في تفكيك شبكة محلية لتنظيم الإرهاب ، وأن الحملة التي شنّتها قوات الأمن الوطني تحت إشرافه يرحمه الله ، أسفرت عن سحق تنظيم القاعدة بقيادته وعناصره" .



ويجمع الكثيرون على أن من أهم إنجازات الراحل أيضاً ، حرصه على كفالة حريات المواطنين وحقوقهم . وقد أكد يرحمه الله ذلك قبيل تسلمه مهام ولاية العهد ، من خلال "تعميم" وجّهه رحمته لأمراء المناطق ، دعاهم فيه إلى "مراعاة الضوابط التي تكفل احترام المواطن وحقوقه وحرياته ، التي أكد عليها النظام الأساسي للحكم ، وداعياً إلى عدم إتخاذ أي إجراء يمسّ تلك الحقوق والحريات ، وعدم السماح بالاجتهادات الشخصية والتصرّفات المرتجلة" .



لقد توطّدت علاقة المواطن في بلادنا ، برجل الأمن السعودي الأول نايف بن عبدالعزيز ، لكون سموه لا يعرف "حلاً وسطاً" للمواجهة مع العنف والتطرّف والارهاب ، ولكوننا شاهدنا بأمّ أعيننا ، ما قدّمه سموه في حماية الوطن والمواطن . ولأننا نعرف حق المعرفة كمواطنين ، أن أحد الجوانب الهامة في إختيار سموه لولاية العهد ، كان الجانب المرتبط بحقيقة العلاقة الوثيقة والمباشرة بين "وحدة الوطن وأمنه" . ولذلك ، وجد المواطن السعودي نفسه مطمئناً و مستبشراً نجاحاً لسموه في إدارة شئون الدولة ، فقد كان الرجل المناسب لتولي مسؤولية ولاية العهد والأكثر خبرة لشغلها ، وملء الفراغ الذي تركه الأمير سلطان يرحمه الله .



وأختم بالقول ، بأنه كان لسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز ، دوراً بارزاً في رسم خارطة ومعالم مستقبل الوطن ، كيف لا ، وهو أحد رجال الدولة الذين واكبوا تقدُّمها ، وعاصروا بناء مؤسساتها ، وعلى دراية تامة بما كانت تحتاجه المرحلة ومتطلباتها ، للدفع بمسيرة الوطن والإرتقاء بمكانته . رحم الله رجل الأمن الوطني الأول ، الراحل نايف بن عبدالعزيز ، وتغمده بواسع رحمته ، وتقبله في الصالحين .