د.محمد العرب


- في عالم مليء بالتناقضات والتحديات والتفسيرات المنقوصة والموروثات التي لم تختبر جديا لتعكس مدى نضجها أو ملاءمتها لعصرنا الحالي ولا حتى تتوافق سرديتها مع المنطق، يتساءل الإنسان الباحث عن الحقيقة والمعرفة عن مفهوم الذكاء والجهل، تتجلى هذه التساؤلات في الصراع المستمر بين الشعور بالتفوق والشك وعدم الرضا عن النفس، أعتقد أن الحكمة الحقيقية تنبع من الاعتراف بجهلنا وعدم تميزنا وبحثنا المستمر عن إجابات أنضج وأكثر واقعية.
- الحكمة تكمن في قبول الضعف والاستعداد للتعلم المستمر...! لا بد من تأسيس ثقافة الفهم الأعمق لذواتنا وللعالم من حولنا وانتهاج التفكير النقدي والعقلاني وتفكيك السرديات المتوارثة، سرديات مرحلية لا تستند على مفهوم واسع للأحداث وتعاقبها ولا مسبباتها، يجب علينا أن نكون مدركين لأنفسنا وللآخرين ونعيد إنتاج حضارتنا الآنية والتفريق بين الحقائق العلمية والموروث التاريخي، وأن نسعى لبناء جسور تفاهم وتقدير واحترام بين الأذكياء والمهرة من جهة وبين المحدودين والمبتدئين من جهة أخرى وفقا لمبادئ التكامل الفطري، من خلال هذه المسؤولية ننطلق برحلة تطوير ذاتي مستمرة، تهدف إلى تحقيق توازن حقيقي بين الفهم والجهل، الذكاء والتواضع، العلم والموروث، لنصل إلى رؤية أكثر وعيا وتضامنا.
- في عالم يغمره الذكاء والمهارة، يتباهى القليلون بفهمهم وتميزهم، في حين يسود الشك وعدم الرضا داخل أنفس الأذكياء الحقيقيين، كونفوشيوس يقول إن الحقيقة تكمن في الاعتراف بالجهل وبرتراند راسل يضيف لهذا التفكير، مُظهرًا مأساة العصر الحديث، حيث يغرق الجهلة في غرور تفوقهم، بينما يملأ الأذكياء شعور الشك والتساؤل، بمواجهة هذه النظرة الفلسفية، يتبادر للعقل فهم عميق لعجزنا كبشر، وضرورة استمرار الاعتراف بحدود فهمنا ومعرفتنا، مما يجعلنا نسعى دائمًا للتعلم والنمو، بدون أدنى شعور بالتفوق المغرور...! عندما ننظر إلى تاريخ الفلاسفة والعظماء الذين أثروا حضاراتنا البشرية، نجد أنهم كانوا دائمًا متواضعين ومستعدين للاعتراف بجهلهم، فمثل سقراط الذي أدرك أنه لا يعلم شيئًا، ولاهوتسو الذي استمد حكمته من التواضع والتساؤل المستمر، إن الاعتراف بأنفسنا كما هي، بقواعدنا وقيمنا وجهلنا، هو بداية الطريق نحو النضوج الفكري والروحي.
- عندما نتقبل عدم كمالنا، نعطي أنفسنا الفرصة للتطور والنمو، ونساهم ببساطة وتواضع في بناء عالم أكثر تفاهمًا وتقديرًا. إنها رحلة مستمرة نحو تحقيق التوازن بين العبقرية والتواضع، بين الكبرياء والاعتراف بالجهل، لنعيش في عالم يتسم بالحكمة والتسامح، ونتقبل أن كل منا عبقري في جوانبه المختلفة، وفي النهاية، نحن جميعًا تلاميذ في رحلة إلى عالم مليء بالجهل والحكمة، متعلمين ومتطورين بشكل مستمر، ولعل من الأمثلة الواضحة العميقة قصة نبي الله موسى -عليه السلام- والخضر، في هذه القصة من القرآن الكريم، يتعلم موسى -عليه السلام- دروسًا عديدة من الخضر، الذي يعلمه أن الحكمة تكمن في الصبر والتواضع والثقة في قدرة الله، اعتقد جازما أن الصبر على قدر الله والتواضع أمام حكمته يجعلاننا أكثر استقرارًا وثقة في مسار حياتنا.
- الاستماع والتعلم من الآخرين، حتى لو كانوا دوننا في المنزلة، يعكس مدى تواضعنا واستعدادنا لامتلاك الحكمة والاعتراف بالجهل وعدم معرفة كل شيء يعزز من قدرتنا على التطور والنمو الروحي.
@malarab1