د. محمد حامد الغامدي


- وجود الإنسان في جبل شدا ليس وجودا عشوائيا، لكنه وجود يحمل في منهجه هياكل وأنظمة وإجراءات لضمان الاستدامة والاستقرار البشري، من خلال مهارات وأدوات ووسائل فاعلة لتحقيق تلك الاستدامة، وقد استمرت عبر الأزمان حتى بداية الطفرة عام 1975، حيث هبت رياح التغيير الحضاري الإيجابي في بلادنا حفظها الله، نحو حياة أفضل وأسهل، وأكثر كرامة.
- مع بداية تسعينيات القرن الماضي الميلادي، لم يبق أي أسرة تعيش في جبل شدا، فانهارت منظومة مقومات العيش في الجبل. هكذا فقد جبل شدا هياكل صيد مياه الأمطار؛ وهياكل وأنظمة استثمار التربة الزراعية؛ وهياكل وأنظمة استثمار التربة غير الزراعية؛ وهياكل وأنظمة استثمار التربة لخزن الماء؛ وهياكل القنوات الرئيسية لتجميع مياه الأمطار؛ وهياكل القنوات الفرعية لتوزيع مياه الأمطار؛ وهياكل قنوات الحماية وتحييد مخاطر المياه الزائدة عن الحاجة؛ وهياكل تخطيط البيئة واستثمارها. أيضا ماتت العقول المرجعية التي تحمله وتكتنزه خبرة وتطبيقا.
- اليوم يرصد الزائر بقايا متناثرة لهذه الهياكل والأنظمة، وقد تهدمت وتلاشى بعضها من الوجود، هذا يعني فقد مياه الجبل، وتعاظم تحديات نجاح استدامة البقاء في جبل شدا، لم يبق سوى ملامح من سيرة إدارة مياه كانت ومضت.
- كانت المدرجات وستظل من أهم أدوات ووسائل الحماية الفاعلة المرفوعة في وجه تحديات تهديدات ندرة الماء. إنها مكامن صناعية متقنة لخزن مياه الأمطار في التربة الزراعية، يصل ارتفاع بعضها حوالي 5 أمتار، صناعة المدرجات في جبل شدا منعت أيضا جرف التربة وضياعها. هكذا شكلت حماية مستدامة بفعل تفاعل الإنسان مع بيئتها عبر الأزمان.
- المدرجات منظومة صناعية بهياكل متعددة الأغراض والأهداف والغايات النهائية، تشمل هياكل أنظمة مائية فاعلة من مسطحات صيد وتجميع لمياه الأمطار، وهياكل أنظمة نقل وتوزيع لمياه الأمطار التي تم تجميعها، وهياكل أنظمة لخزن مياه الأمطار لاستثمارها لجميع الأغراض السكنية والزراعية، والنشاطات ذات العلاقة، وهياكل أنظمة حماية لتصريف لمياه السيول إلى مناطق خارج الجبل. تحقق ذلك بوسائل بسيطة لكنها عظيمة الشأن والمنفعة.
- أي فقد في المياه المحدودة والنادرة في جبل شدا تشكل خسارة لا يمكن تعويضها، بل هي تهديد لبقاء استيطان الجبل في حال تفاقمها. هناك أيضا تهديد آخر يمثله ندرة التربة الزراعية، استوعبت أجيال جبل شدا هذه التهديدات بشكل استراتيجي، الأمر الذي كتب لها بقاء العيش في الجبل، لكن تحت ضغط ندرتها الجائر، ما جعل الجبل طاردا لأهله عبر التاريخ، في حال زاد عددهم عن قدرته بالوفاء بمتطلباتهم المائية والزراعية.
- بسبب انغلاق جبل شدا على المطر كمصدر وحيد، تطفو الحقيقة المرّة والمؤلمة اعتمادا على المؤشرات، أن جبل شدا يخسر أكثر من 95 % من مياه الأمطار التي تهبط على جسمه، بعد بدء مغادرة أهله منذ بداية الثمانينيات.
- تهديدات استراتيجية ومستدامة، حيث الصخور هي المساحة الطاغية على مساحة كامل جبل شدا، هذا يعني أن مياه الأمطار على الجبل أكثر من أن يستوعبها، لتغذية المياه المخزونة في تربته المحدودة، خاصة بعد تهدم المدرجات وجرف تربتها، أن تقرأ مؤشرات الخطر وتحدياته البيئية، ثم تعمل على تحييده فذلك يعني نجاح البقاء. ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH