عبدالله الغنام


لعل من أشهر الأبيات التي قيلت في العيد هو بيت المتنبي: عيد بأي حال عدت يا عيد ... بما مضى أم بأمر فيك تجديد،
وقد قال هذا البيت لأنه كان يطمع أن يتحقق حلم حياته الذي طال انتظاره في أيام العيد، حيث كان يُمني النفس في أن يكون أمير أو والي على مدينة أو حتى قرية! ولكن ذلك الحلم لم يتحقق. وربما نسي أنه قال يوما: ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
المتنبي عاش حياته عرضا وطولا حتى نال الشهرة والمال، وقُرب المنزلة من الأمراء والولاة، ولكنه لم يعانق حلمه أبدا، والحقيقة أن الحياة لا تصفو لأحد تماما، فقد ينال الإنسان أشياء كثيرة، ومتع عديدة، ولكنه يظل ينظر إلى ما ليس في يديه! وهذا يذكرنا بأن معظم حسراتنا تكون من التركيز على المفقود ونسيان الموجود. مع أننا نردد على أنفسنا بين الحين والآخر أن الخيرة فيما اختاره الله سبحانه وتعالى، وهذا هو تمام الرضا والتسليم بالمكتوب. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ».
وبما أننا نتحدث عن الشعر والعيد، فهناك أيضا بيت آخر مشهور، وهو للشاعر المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية في زمن ملوك الطوائف في الأندلس حيث قال: فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ... فساءك العيد في أغماتَ مأسورا.
والشاهد من القصتين أن حال الدنيا لا يدوم، فالشاعر الأول «المتنبي» كان يطمح للإمارة ولم ينلها، والشاعر الثاني «ابن عباد» نال الأمارة، ولكن لم تكن النهاية سعيدة! فقد انتهى به حال أن مات أسير، وليس أميرا، وهذه أشد على النفس حين يتقلب الإنسان في الرخاء والنعمة، ثم يُختم له في آخر حياته بالشدة والعسر.
ومن هنا نعود ونؤكد أن الخيرة دوما فيما اختار الله سبحانه وتعالى، فالمتنبي لو كان وصل إلى الأمارة ربما لانطفأت حرارة شعره، وأصبح شاعرا عاديا، ولم يخلده التاريخ كواحد من أعظم الشعراء الذين كنا ولا زلنا نستشهد بأبياته في مواطن كثيرة، بل صار شعره أمثالا تسير بها الركبان.
ولا أريد أن أكدر عليكم صفو العيد، ويصبح المقال مليئا بأشعار وأبيات حزينة، فالأصل في هذه الأيام أنها للفرح والسرور والبهجة، ولكنها خاطرة قفزت إلى عقلي وقلمي قفزا حين كنت أفكر في العيد وأحواله وتقلباته.
وعلى صعيد آخر أعتقد أن الأعياد في زمننا قد تغيرت، وتأثرت كثيرا بالتقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فبعد أن كانت الزيارات هي الطابع العام، أصبحت المحادثات والرسائل هي الأكثر تداولا ورواجا. ولا ندري ماذا الذي تخبأ لنا السنوات القادمة، فربما تكون الأعياد عن طريق الواقع الافتراضي أو أن الذكاء الاصطناعي يقوم بهذه المهمة عنا!. فالأيام هي دوما حبلى بالمفاجآت، والتقنية لا تكف تزودنا كل يوم بكل جديد. هذه التقنية التي أخذت منا دفء المشاعر، وأعطتنا حياة مريحة وسهلة، ولكنها جافة!
وكل عام وأنتم بخير، وأعاده الله علينا وعلى وطننا بالأمن والأمان، والخيرات والبركات.
@abdullaghannam