عبدالله العزمان يكتب:


قد تجد تاجراً يصر على الاتجار في نوع معين من أنواع البضائع، مهما ترتب عليه من خسارة، وطالبه جامعيه تصر على تخصص دراسي على الرغم من عدم قدرتها على اجتياز المواد الدراسية لهذا التخصص، وموظف يصر على التمسك بوظيفة لايتقدم فيها ابداً ، بل على العكس تماماً، حتى اصبحت تقتل طموحه وإمكانياته، فلماذا هذا الاصرار الذي لا يؤتي نتائجه المرجوه؟
يرجع سبب ذلك إلى نزعتنا إلى الماضي، حيث نرى دائماً، أن التمسك بما نعرفه، أكثر اماناً من الخوض في المسقبل، الذي يعتبر أمراً مجهول بالنسبة لنا ، وخسائره متوقعة بشكل أكيد.. ولكن هل يمكن أن يعتبر هذا السلوك، هو العلاج الناجع لكافة مشاكلنا وإخفاقاتنا،؟ بالطبع لا، لأن الحقيقة أن الاستمرار والمكابرة، لن تأكل الأرباح التي جنيناها وحسب، بل ستقضي على الأخضر واليابس، كسرب من الجراد.
ذلك ما يسمى بالتكلفة الغارقة، في عالم الأعمال والاقتصاد، وتعرّفها ويكبيديا، بانها التكاليف التي تم صرفها في مشروع أو قرار معين ولايمكن استعادتها، وتشير دراسة لـ»كال أركيس» و»كاثرين بلامر»، المتخصصين في الاقتصاد السلوكي، بعنوان «سيكولوجية التكلفة الغارقة» إلى أن قرابة 88% من المستثمرين على الأقل، يقعون في فخ مغالطة التكلفة الغارقة، حيث يستمرون في مواقف تؤثر عليهم بالسلب بسبب ما أنفقوه من تكلفة لا يمكنهم استعادتها.
لقد تحطمت أحد اعرق الشركات في ريادة صناعة أجهزة الهواتف المحمولة ، وهي التي كانت تتربع على هرم الشركات العالمية في فترة التسعينات وبداية الألفية الثانية، والتي باعت أكثر جهاز في التاريخ الحديث حتى الان، والذي يقدر بأكثر من ٢٥٠ مليون جهاز، إلا وهي نوكيا حيث اشارت التقارير إلى أن أحد أهم أسباب سقوط الشركة من على قمة عالم الهواتف المحمولة كان رفض إدارتها تغيير مسار أبحاث الشركة بدعوى الإنفاق عليه كثيرًا.
وخلاصة القول، أن الاصرار في السعي لتحقيق الاهداف المرجوه أمر رائع، ولكن الإصرار السلبي، الذي ينتج عنه الانحياز للبقاء على الاختيارات الخاطئة، يعتبر أمر غير منطقي ومجانب للصواب، إنظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد مكث يدعو في مكة قرابة ١٣ عشر عاماً، لكنه عندما عرف أنه لا توجد جدوى من مكوثه بمكه، لم يصر على ذلك ، بل هاجر إلى المدينة، وهناك، وجد البيئة المعينة على النجاح، التي مكنته من إرساء معالم دعوته، وبعد أن خرج من مكة مطارداً، عاد إليها منتصراً فاتحاً.
@azmani21