محمد علي الحسيني


لا شك في أن الترفيه واللعب والترويح حاجة نفسية تميل إليها النفس التي خلقها الله تعالى فهو من متطلباتها ولا محظور عليه، لأن كل ما جبلت عليه النفس البشرية من صفات وطباع أساسية، إنما هي من ألطاف العليّ القدير عليها، ولا يمکن کبتها أو منعها أو السعي للعمل والتصرف بخلاف ذلك، الإسلام لم يدعُ إلى التزمّت والتشدّد وكبت النفس أبدا، بل دعا إلى الترويح عن النفس، فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنّه قال: «روّحوا القلوب، فإنّها إذا كرهت عميت».
الترفيه يعيد للإنسان نشاطه وحيويته، نعم، لا بدّ من ترويضها وإعطائها حقها إلخ.. بل دعا إلى ترويضها وإعطائها حقها ضمن شروط وضوابط شرعها بحكمته ولطفه مراعاة لمصلحة عباده، ومن المفيد أيضاً هنا الاسترشاد بما ورد من السنة النبوية الشريفة بنفس السياق، ما يؤکد نهي الإسلام عن التشدد والإيغال فيه واتباع نهج وسطي سمح، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار- : «علموا أولادكم السباحة والرماية»، حيث أنّ السباحة والرماية من جهة معينة نوع من أنواع الترفيه المفيد.
اللعب متفرع من الترفيه وهو من النعم التي أباحها الإسلام لنا، حيث جاءت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث التي تدل على جواز هذه الأمور والأصل فيها الإباحة.. ولو نوى الانسان أن يلهو ويلعب لأجل التقوّي على العبادة لدخل فعله في المستحبات وخرج عن المباحات ولقد نص القرآن الكريم على موضوع اللعب: «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ»، وإن أهل العلم يقولون في تفسير هذه الآية بأنها تمثل دلالة على أن اللعب الذي ذكر في الآية المراد منه باللعب المباح من الانبساط، لا اللعب المحظور، ولولا ذلك لأنكره عليهم يعقوب -عليه السلام- ، وهكذا فإن المسلم مطالب بالترويح والترفيه عن نفسه وعمّن حوله من أهله وأصحابه فينبغي أن ينظم وقته بين العمل والعبادة واللهو.
لا يعتدي على الوقت الذي هو حق لله تعالى كوقت الصلوات المفروضة، أو أن يغفل عن ذكر الله في أوقات هو أحوج ما يكون فيها إلى القرب من ربه، كإهدار ساعات الليل في السمر واللهو،أو الاستعمالات السلبية التي فيها إثارة للشهوة أو الوقوع في المحرمات باتخاذ بعض أداة الترفيه والألعاب وسيلة للابتزاز أو المراهنة والمقامرة أو سببا في شحن النفوس بالبغضاء.. من هنا، فإن الترفيه واللعب من منظور الإسلامي وبالعنوان الأولي وفقا للقاعدة الفقهية: «الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد فيها نهي» مباح وليس من المحظورات بشرط أن لا يتخلّله بعض المحرمات أو حتى من المکروهات ما دام لم يؤدّي إلى تأخير بعض الواجبات فضلا عن تركها أو الدخول في المحظورات وما شاكل ذلك .
إن الإسلام الذي هو خاتم الأديان قد جاء بشريعة ونظام حياة متکامل، بل قد يدخل اللّعب ضمن المستحبات، فيما لو كانت نيته من اللعب الترويح عن النفس والتقوّي على العبادة.
@sayidelhusseini