مهما اقترنت صفة الأمير بجانب صفة الشاعر في شخص مثل بدر بن عبدالمحسن، فإن الغلبة لابد أن تكون للشاعر في ذاته، فالتنازع بينهما لا يعني سوى أن الشاعر يفرض وجوده، ويمنح موهبته شيئا من التمدد والبروز دون أن يلغي من شخصيته صفة الأمير.
إن ظاهرة الشعراء الأمراء قد عرفها تاريخ الأدب العربي منذ عشرات السنين، إذ لا يخفى على أحد الأسماء المشهورة في هذا المجال، وربما في الأدب الشعبي أكثر منهم في الأدب الفصيح، فصحراء شبه الجزيرة العربية أنتجت سلالة عظيمة من الأمراء الشعراء الذين ملأوا سمعها شعرا يتردد صداه بين جبالها وسهولها ووديانها، وفي وجدان ساكنيها من مختلف القبائل.
لذلك ليس غريبا أن يتمدد الشعر إلى أمراء آل سعود، كالأمير عبدالله الفيصل والأمير خالد الفيصل والأمير خالد بن يزيد والأمير عبدالرحمن بن مساعد، لكن هذه الظاهرة إذا ما سلطنا الضوء عليها من خلال شخصية الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، فإننا نقع في حيرة من أمرنا، لأن من يطّلع أدنى إطلاع على مراحل حياة الأمير الراحل العامة، على الأقل من خلال أمسياته وحواراته وحديث الأصدقاء وما كتب عنه، وبالتأكيد من خلال ما أنتجه من شعر أيضا، جميعها تؤكد حقيقة واحدة وهي أن بدر بن عبدالمحسن خُلق لكي يكون شاعرا بالدرجة الأولى سواء قال شعرا أم لم يقل، فأنت بمجرد ما تنظر إلى ملامحه فأنت تنظر إلى شاعر، حواسك وكل نبض في شرايينك يقول لك: هذا شاعر . تستمع إلى نبرة صوته وهو يتحدث تظن أنه يخشى أن يخدش الهواء ولو بجروح طفيفة، إذا ما ارتفعت نبرة صوته عاليا.
والغريب حينما تسترجع حواراته وأمسياته، فإن هذه النبرة هي هي لا تتغير، سواء قال بها شعرا أو تحدث بها كلاما خارج قول الشعر، وكأن هذه النبرة هي السر الفني الكبير وراء معظم قصائده التي تغنى بها أغلب الفنانين العرب. ولا شيء آخر يؤكد هذا السر ويعمقه سوى ما يصاحب هذه النبرة من ضحكةٌ أقدر أسميها خجولة إذ تملؤ وجهه على استحياء وكأنها تقول لك: هذا شاعر يريد أن يقول لكم بجسده ما لا يستطيع أن يقوله من خلال أشعاره.
إذن ثمة إشارات ودلالات نجدها واضحة وبارزة في شخصية الأمير بدر تنم عن قدرة هذه الصفات في صناعة الشعر بامتياز، لذلك هذا التوافق الكبير بين تركيبة شخصية بدر وصفاته الإنسانية وبين موهبته كشاعر أَّهله أن يكون مجددا في الشعر الشعبي الغنائي، وأن تكون حداثة الكلمة المغناة على يديه كالنهر المتدفق في شرايين الغناء.
وعلى الرغم أنني لم ألتقيه، إلا أنني وجيلي تربينا على أشعاره من خلال صوت طلال مداح «عطني المحبة» وغيرها أو محمد عبده «أبعتذر»، «صوتك يناديني ومجنونها « وغيرها الكثير، سوى أن المتأمل فيه بكامل تفاصيله يشعرك أنك قريب منه حد أنك تصرخ بينك وبين نفسك هذا أخي ! .
فيا لها من شخصية لا يمكن أن تتكرر، فكونه أميرا لم تكن لتحدّ من إبراز موهبته وتمددها، ونحن نعلم صعوبة الذهاب حد الإخلاص للموهبة والتضحية لأجلها تتطلب الشجاعة والسمات الشخصية القادرة على التحمل في أن تصبح شاعرا حقيقيا، أظن بدر بن عبدالمحسن كان كذلك وأكثر.
رحم الله الأمير الشاعر الذي رمى قصائده وراءه ثم مضى، لكنّ قصائده لم تسقط على الأرض، لأن وجدان الناس هي مقرها الحقيقي.
@MohammedAlHerz3