د.محمد العرب


هل تساءلت يومًا عن الفرق بين العلم والمعرفة؟ كيف يمكننا التفريق بين ما نعرفه عبر التجربة والملاحظة وبين ما نكتسبه من خلال التفكير العميق والبديهيات؟ إن الإجابة على هذه التساؤلات تأخذنا في رحلة عميقة عبر الفلسفة، حيث تتناولها العديد من المدارس الفكرية بطرق مختلفة ، العلم بمعناه الدقيق، هو نظام معرفي يعتمد على الملاحظة والتجريب والتفسير المنهجي للظواهر الطبيعية والعلم يرتكز على الحقائق القابلة للقياس والتجريب، ويُعتبر وسيلة موضوعية لفهم العالم من حولنا، ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في المدرسة الوضعية التي تأسست على يد الفيلسوف أوغست كونت الذي يرى أن العلم يجب أن يعتمد على الحقائق القابلة للتحقق ويجب أن يرفض أي نوع من المعرفة التي لا يمكن إثباتها بالتجربة العملية..!
مثلاً تجربة غاليليو الشهيرة حول سقوط الأجسام والتي نقضت المفاهيم الأرسطية، تعتبر مثالاً حياً على كيفية استخدام العلم لتغيير فهمنا للعالم ومن جهة أخرى تؤكد المدرسة التجريبية، التي يمثلها جون لوك، أن كل المعرفة تنبع من التجربة الحسية ، حيث يعتقد للوك انه لا يمكننا أن نعرف شيئًا إلا من خلال ما ندركه بحواسنا وهذه النظرة تجعل العلم أساساً تجريبياً يعتمد على الملاحظة والتجربة لاستنتاج القوانين والنظريات..! أما المعرفة بمفهومها الأوسع، فهي تشمل جميع أشكال الإدراك والفهم، سواء كانت مستندة إلى التجربة الحسية أو العقلانية أو البديهية ويمكن أن تكون المعرفة ذاتية، حيث تشمل المعتقدات الشخصية والتجارب الذاتية، وتتناول المدرسة العقلانية التي يمثلها رينيه ديكارت، المعرفة من زاوية مختلفة، حيث تعتبر العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة ، ويرى ديكارت أن هناك حقائق يمكن للعقل الوصول إليها بدون الاعتماد على التجربة، «أنا أفكر، إذاً أنا موجود» وهذه أشهر مقولاته التي تعبر عن هذا المبدأ، مشيراً إلى أن الوعي الذاتي هو أساس كل معرفة، كما تقدم المدرسة الظاهراتية، التي طورها إدموند هوسرل، منظوراً آخر للمعرفة حيث تركز على كيفية ظهور الأشياء في الوعي الإنساني وفي هذا السياق، يمكن اعتبار المعرفة بانها ليست مجرد نتاج للعقل أو التجربة، بل هي تجربة متكاملة تشمل الإدراك الواعي والتفاعل مع العالم.
لنفكر في بعض الأمثلة للتفريق بين العلم والمعرفة ، تطوير التقنيات الحديثة مثل الإنترنت يعتمد بشكل كبير على العلوم الحاسوبية والهندسية، وهي معارف مستندة إلى التجربة والملاحظة الدقيقة، على الجانب الآخر، الكثير من المعتقدات الدينية تعتمد على المعرفة البديهية والإيمان، التي لا يمكن التحقق منها علمياً ولكنها تكون جزءاً مهماً من التجربة الإنسانية ، وقد تناولت الفلسفات الأخلاقية المعرفة المتعلقة بالصواب والخطأ بناءً على المبادئ العقلانية أو التجارب الذاتية، بدلاً من الاعتماد على الأدلة العلمية القابلة للقياس. القرآن الكريم يفرق بين العلم والمعرفة ويشجع على طلب العلم ويعتبر العلماء من أعظم الناس، في سورة الزمر «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» مما يشير إلى قيمة العلم وأهمية العلماء في الإسلام. وفي سورة المجادلة «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، موضحاً أن العلم والمعرفة يرتقيان بصاحبهما في الدرجات.
@malarab1