تمثل مياه الأمطار المصدر الوحيد «الطبيعي» للمياه في بلادنا - حفظها الله -، وتتعرض إلى ما يشبه غزوات الذئاب على قطيع الأغنام، من هو الغازي؟ هل هو مرئي؟ هل نستطيع التغلب عليه؟ هل يمكن تحييد بعض مخاطره؟ الجواب: نعم.. لكن ليس بشكل مطلق.
المناخ من خلال أذرع عناصره هو العدو الأول لمياه الأمطار، حيث درجات الحرارة المرتفعة تسود، يشتد تأثيرها في غياب الغطاء النباتي، تفترس معظم مياه الأمطار، تبخرها وتعيدها للسماء مخلفة الجفاف والعطش.
سيطر الإنسان على كل شيء إلا المناخ، عامل الزمن ومتطلباته يحد من نجاح السيطرة، حتى يتغير المناخ يحتاج إلى قرون، بسبب عناصر التغيير وتشعباتها المعقدة، الطبيعة لا تدمر نفسها بنفسها، لكنها تجدد نفسها بنفسها إذا لم تختل عناصر توازناتها، بعكس البيئات الاصطناعية حيث تخضع لسيطرة الإنسان وتأثيره. نشاطه أحد أهم المؤثرات السلبية التي تستعدي المناخ وعناصره.
مناخ بلادنا صحراوي بكل درجات التصحر، الشديد والمتوسط والأقل تصحرا، هذا يعني أن أرضنا جزء من المناطق الطاردة بكل مساحتها، حتى مناطقنا المطيرة في الجنوب الغربي. وعندما تنزل الأمطار على جبال هذه المناطق في مواسمها، تتجه فيضاناتها شرقا وغربا، عبر أودية تاريخية معروفة، تصب في نهاية المطاف غربا في البحر الأحمر، وتصب شرقا في المناطق الداخلية الجافة وشديدة الحرارة.
أثناء سيرها الذي يشبه رحلة سمك السالمون، تجد من يلتهمها من الدببة المتربصة والجاهزة لصيدها، هذا ما يحدث مع المياه المتجهة شرقا نحو المناطق الداخلية حيث تلتهمها حرارة المناخ العالية، تضيع هذه المياه بخارا في السماء، أن تعرف أن معدل البخر السنوي في المملكة يتراوح ما بين «3000 إلى 6000» ملم سنويا، فهذا يوضح مدى ما يتبخر من مياه الأمطار في بلدنا.
في كتابي «كيف نحول المطر إلى مخزون استراتيجي، بناء المستحيل»، ورد أن كميات مياه الأمطار التي تسقط على الأرض العربية تختلف من سنة إلى أخرى، تتراوح ما بين أقل من 100 ملم، إلى أكثر من 300 ملم سنويا، في عام 1986 تم تقدير كميات الأمطار على الدول العربية بحوالي 2300 مليار متر مكعب سنويا، وتقديري، أن كمية الأمطار التي تسقط على جبالنا المطيرة جنوب غرب المملكة تتراوح ما بين «15- 60» مليار متر مكعب سنويا، حسب غزارة مواسمها، ويأتي السؤال ما مصيرها؟
أوضحت دراسة أن حوالي 98% من مياه أمطار العرب يتم فقدها. 90% من هذه المياه المفقودة يتم عن طريق البخر، ويضيع 8% منها عن طريق السيول المتجهة إلى البحار، هذا يعني أن 2% هو ما يتم تخزينه في الأرض العربية من مياه الأمطار، هذه النسبة هي التي تغذي المياه الجوفية.
هنا يمكن رسم خارطة طريق للإجابة عن السؤال: أين تذهب مياه الأمطار في بلدنا؟ كل المؤشرات توضح أن أكثر من 95% يتم فقده عن طريق البخر، في ظل حقيقة نسبة البخر السائدة، والتي تتراوح ما بين «3000 إلى 6000» ملم سنويا. هذه الحقيقة تؤكد نسبة الفقد العالية لمياه الأمطار، السؤال: ما العمل للحد من تبخرها وضياعها، ويستمر الحديث.
@DrAlghamdiMH