عبدالله الغنام


لست أعني بعنوان المقال قوامة النساء على الرجال، وإن كانت قد تحدث أحيانا! ولا حتى طريقة قوامة الرجال على النساء، بل أعني قوامة «مواقع التواصل الاجتماعي» على الأسرة من أصغر فرد فيها إلى المسؤول عنها.
في العقد الأخير ظهرت سطوة مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واضح وجلي على الأفراد بالتالي على المجتمع.. وهي تعمل بتأثيرها المستمر والمتكرر حتى أصبحت كأنها تقوم بدور «القوامة» ولكن بطريقة غير مباشرة أي بطريقة «ناعمة»، وذلك بالتأثير على الأفكار وبالتالي تغير السلوكيات، وهذا ما نشاهده ونلاحظه في السنوات الأخيرة.. بل قد يمتد تأثيرها إلى تغيير بعض العادات والموروثات التي كانت راسخة طويلا. فكيف يحدث هذا؟!
يحدث هذا بمبدأ التكرار والتدرج، أي تكرار الفكرة التي أريد على المتلقي في مختلف الوسائل، وبطرق متعددة حتى تصبح أمرا «عادي» ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة التطبيق من قبل أفراد قلائل حتى يعتاده الناس، فنرى بعدها أن الأكثرية يريد التقليد، وعمل نفس السلوك ليصبح مألوفا ومعتادا بعد قيل عنه: أنه عيب أو لا يمكن أو مخالف لبعض العادات.
وستلاحظ معي أيضا أن هناك عادات كانت متوارثة أسريا لا أقول اختفت، ولكن قل الاهتمام بها وفقدت بريقها.. بل ستجد أن الكثير للأسف يتأثر بمقولات وكلمات يسمعها تُردد حتى يعتقد أن هذا هو الصواب، والمشكلة تكمن حين يكون المتلقي ليس لديه خبرة أو رسوخ فكري أو ربما هو عاطفي التفكير والسلوك «انظر مثلا كتاب سيكولوجية الجماهير للمؤلف غوستاف لوبون»، ويصدق كل ما يسمع أو يقرأ أو يشاهد على هذه المنصات الاجتماعية، مع أنه جاء في الحديث النبوي: «كفى بالمرء كذبًا أن يحدّث بكل ما سَمِع» إن في هذه المواقع الكثير في الكلام والجدل في كل ما هب ودب.. والمعضلة في أن بعضا من المشاهير أو «من يسمّون مؤثرين؟!» يعتقد أنه لابد أن يكون له رأي ومشاركة في كل موضوع يُطرح! وهذا ليس بصحيح البتة، فمعروف أن من تحدث في غير فنه جاء بالعجائب! وقد قيل: من ترك كلمة «لا أعلم» فقد أصيب في مقتل!
بل دعوني أذهب أبعد من ذلك من بوابة الفلسفة، حيث هناك مبدأ ينص على: أن الأصل هو الشك قبل اليقين، وهو مأخوذ من مدرسة الفيلسوف الفرنسي الملقب بأبي الفلسفة الحديثة «رينيه ديكارت» ولو طبقنا هذا المبدأ على ما يُطرح في مواقع التواصل الاجتماعي لكان أفضل بكثير من أن نصدق كل ما نسمع أو نتعاطف مع كل ما نرى، بالإضافة إلى مبدأ الشك والذي أعتقد أنه فعال على أي خبر نسمعه أو حتى نراه.. يأتي ثانيا: أن نتذكر أننا نعيش في أيام سطوة التقنية الحديثة حيث أصبح تقريباً كل شيء ممكن أن يُغير ويُبدل، ويُزيف ويُحرف باستخدام الذكاء الاصطناعي وغيرها من البرامج والتطبيقات.
في السابق كانت الشائعة أوالمعلومة الخاطئة تنتقل سمعاً أو كتابة، وربما بأدلة واهية فيصدقها أكثر الناس، وأما اليوم فقد صارت الأخبار تُحرف بطرق شتى حتى تراه مشاهدة وعينا كأنها الحق الناصع الذي لا شك ولا خطأ فيه.. ولذلك يأتي دور التأكد والتثبت قبل التصديق.. ومن الحلول كذلك أن نأخذ المعلومة من مصادرها الموثوقة والمتخصصة، وأيضا الرسمية إذا كان الخبر له علاقة بشأن العام، أضف إلى ذلك التريث، فليس المهم نقل المعلومة، أو أن تكون أنت أول من نقل ونشر الخبر، ولكن المهم أن تكون المعلومة أو الخبر أو السلوك المنقول صحيح لا لبس فيه حتى لا نصبح على ما فعلنا نادمين.
وأما القاعدة الذهبية العامة فهي تقول لنا : قل خيرا أو اصمت!
@abdullaghannam