وليد الأحمد


في نهاية شهر مارس الماضي كتبت مؤلفة أدب الخيال الأوروبية جوانا ماسيجيوسكا -Joanna Maciejewska -، في حسابها بمنصة «إكس» أن أكبر مشكلة في ثورة الذكاء الاصطناعي تكمن دفعه نحو الاتجاه الخاطئ، وقالت: «أريد أن يقوم الذكاء الاصطناعي بغسل ملابسي وأطباقي حتى أتمكن من القيام بالفن والكتابة، وليس أن يقوم الذكاء الاصطناعي بفني وكتابتي حتى أتمكن من غسل ملابسي وأطباق الطعام»، حصدت التغريدة حينها نحو ثلاثة ملايين وأكثر من مائة ألف إعجاب و24 ألف، وهو تفاعل لافت يعكس حال الارتباك والتوجس التي يشعر بها البعض من الأفراد والمجتمعات بها تجاه التقنية الأحدث في العالم.
وفي نهاية شهر مايو الماضي، نشرت المجموعة الأوروبية رفيعة المستوى المعنية بتنظيم الأسواق الرقمية في دول الاتحاد الأوروبي بيانا صحافيا بشأن المخاطر المحتملة، والتطور السريع في مسألة تنظيم الذكاء الاصطناعي سواء من حيث الأهداف أو الأولوية، بعد أن أصبح قضية سياسية مركزية في الاتحاد الأوروبي والعالم.
قانون الذكاء الاصطناعي الذي وافق عليه البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي، مبدئياً يعد بحسب البيان أول إطار تشريعي شامل قائم على المخاطر بشأن الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم والذي سيتم تطبيقه على تطوير ونشر واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. ويهدف إلى معالجة المخاطر التي تهدد الصحة والسلامة والحقوق الأساسية التي تشكلها أنظمة هذه التقنية، مع تشجيع الابتكار واستيعاب تطبيقاته الموثوقة، إذ يخضع استخدام تقنياته اليوم بالفعل للإشراف بواسطة عدد من السلطات بما فيها المجموعة رفيعة المستوى لقانون الأسواق الرقمية - High Level Group for Digital Market Act -.
ويرى الاتحاد الأوروبي ولجانه المعنية أن المستهلكين يواجهون مزيجًا متناقضًا من الفوائد والمخاطر التي قد تنجم عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التحيز والتمييز والاحتيال والتلاعب وفقدان السيطرة على البيانات الشخصية، ويؤثر هذا الانقسام أيضًا على مقدمي الخدمات، وفي الوقت نفسه، يتمتع قطاع الذكاء الاصطناعي بفرص رائعة للابتكار لم تتحقق بعد، وهذا يخلق نافذة للمنافسة تسمح للاعبين الجدد بالظهور، مع أهمية الحفاظ على وتيرة الابتكار وبالتالي التأكد من عدم تشويه أسواق الذكاء الاصطناعي بسبب السلوكيات الضارة من جانب الشركات القائمة، وأن الأسواق ذات الصلة، مثل أسواق الخدمات السحابية وأسواق وحدات معالجة الجرافيكس، تظل موضع منافسة.
تعد البيانات أمرًا أساسيًا لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي عالية الأداء، إذ ينبغي جمع البيانات الشخصية ومعالجتها واستخدامها بطرق قانونية وشفافة وعادلة، بما في ذلك عند استخدامها لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، مع الامتثال الكامل للتشريعات التي تحمي الحق في حماية البيانات الشخصية والحقوق الأساسية الأخرى.
ولأن نشر تقنيات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على تكثيف المخاطر المجتمعية، مثل النشر الفيروسي للمعلومات المزيفة، ولأن الاعتماد المتزايد لتقنياته لديه أيضًا القدرة على التأثير على المنافسة والعدالة في الأسواق الرقمية، يسعى المشرعون الأوروبيون من خلال تشريعات مثل التكنولوجيا الرقمية، إلى إصدار قانون الذكاء الاصطناعي القادم، الذي سينظم نوع البيانات الشخصية والتجارية المتاحة لتدريب أو تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي من خلال اشتراط موافقة المستخدمين النهائيين على أنواع معينة من معالجة البيانات ومن خلال حظر استخدام هذه البيانات في المنافسة مع مستخدمي الأعمال.
وفي حين يدرك الأوروبيون والعالم الفوائد المجتمعية الهائلة التي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحققها، فإنهم في الوقت نفسه، متيقنون بوجود مخاطر كبيرة محتملة يحتاج معها إلى صيغة مخففة أو مقننة عبر الأطر التنظيمية تحقق الفوائد المرجوة لخدمة الانسان في حياته اليومية لا تهديداً لخصوصيته ومعاشه.
@woahmed1