عبدالرحمن السليمان


في كل لقاء بالفنان عبدالحميد البقشي، تسمع منه ما يطمئن أنه يعمل ويبحث عن جديد، فالفن لم يزل شاغله الأكثر.
آخر لقاءاتي به كانت في ملتقى صديقنا الفنان محمد الحمد خامس بالأحساء، يحرص البقشي على حضور الملتقى كما نحرص جميعا على أن نلتقي خاصة مع قلة المناسبات التي تجمع الفنانين، الفنان عبدالحميد البقشي دائم البحث عن الجودة في نوع الألوان والقماش الذي يرسم عليه ومن يشد قماش اللوحة أو يضع لها بروازا، بل وفي كل تفاصيل منجزه الإبداعي، عرفت البقشي وأعماله عندما أطلق مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالشرقية معارضه منتصف سبعينيات القرن الماضي، كما كانت فيما بعد معارض مكتب رعاية الشباب في الأحساء.
عرفته في المرحلة الدراسية المتوسطة بالمدرسة النموذجية في الهفوف، كان في الصف الثالث وكنت في الصف الأول المتوسط، في معارض رعاية الشباب كانت أعمال البقشي مثيرة ولافتة وكانت تُستقبل بكثير من التأويل مع قابليتها لذلك وهو ما لا يميل إليه، خلاف قدرات الفنان المبكرة في تحقيق فنيات الصورة «العمل» وامتلاك أدواتها الفنية وهو حرص تنامى بدرجة كبيرة فيما بعد وسنجده في أعماله المتلاحقة التي يبعثها في كل فترة أو مرحلة حالة فنية مختلفة تتناغم مع ما سبقها حافظة لمسة الفنان وشخصيته وحساسيته الفنية، أقام الفنان البقشي أول معارضه الفردية قبل سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الفنون عام 1979 وقد رعت المعرض ونظمته جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، عاد من الولايات المتحدة بأفكار جديدة تتعمق في الفن وغاب مع ذلك أسلوبه السابق الذي اشتهر به وأحبه متابعوه، بل ولا زال أثره في أعمال بعض فناني الأحساء والقطيف، لكننا أيضا وبالمقابل أصبحنا أمام بحث أعمق في التقنية بحكم الدراسة وفيما بعد الخبرة، اشتغل على دراسة لونية تستنطق الأشكال المحدودة التي يستعيرها أو يختارها لمعالجاته، بينها الحروف العربية وبينها أشكال لطيور ورسومات فلكلورية بعضها يُرسم على بعض الأدوات لتجميلها، كان دقيقا في اختيار عناصره كما في عمله الدينار العربي الذي عرضه في معرض «من حولهم» في الرياض ونظمه معهد مسك للفنون وكانت تثيره تلك العناصر والوحدات بما تحمل من علاقة بالتاريخ أو بالموروث المحلي الاجتماعي.
لا يغيب عن عبدالحميد أي جزئية في عمله، ففي لوحته التي غالبا ما تتجاوز مساحتها المتر في متر، كل سنتيمتر فيها مشغول بعناية وبدقة تحقق تماسك عناصر اللوحة مع اختزاله الشديد للعناصر، كان يبحث في البارز وقد اشتغل المجموعة السابقة لتحقيق هذا الإحساس.
رأيته يبحث في نفس التقنية ولكن لتحقيق الإيحاء بالغائر وربما تكون الصعوبة مماثلة أو أكثر، وهي الفكرة التي لم يتناولها أحد من الفنانين المحليين أو العرب على الأقل، عناصره بسيطة ومباشرة، فهي ليست بأهمية التقنية التي تعمق بحثه وتضعه في سياق المعالجة والبحث بقدر ما يتبع أن اختيار العنصر هو لتحقيق جانب فني أو حل تقني يمثل بحث الفنان ورؤيته الفنية، أنجز في هذا التوجه بعض الأعمال وبدت مثيرة ولافتة، ربما يفتح له ذلك ويشجعه على إقامة معرض فردي في الأحساء على الأقل، أعرف عن الفنان حرصه الكبير على سلامة عمله الفني وهي المشكلة التي عاناها وغيره في بداياتنا السبعينية وحتى في الثمانينيات.
يبقى عبدالحميد البقشي ظاهرة فنية ملفتة بثقافته وقدراته الفنية الكبيرة ومهارته، وكان ذلك مبكرا عندما التحق بمعهد التربية الفنية وكان نتاجه الفني ظاهرا وبارزا بين أبناء جيله وزملاء دراسته، ثم في المعارض القليلة التي شارك فيها ومعظمها في الأحساء أو الدمام أو الرياض التي تمثلت فيها آخر مشاركاته.
aalsoliman@hotmail.com